حاتم الطائي
إنجاز نوعي، ومشروع طموح في مجال الاستفادة من الطاقة الشمسية وضعت لبناته السلطنة الأسبوع الماضي؛ بإبرام شركة تنمية نفط عمان اتفاقية مع شركة جلاس بوينت سولار لبناء مشروع "مرآة" لتوليد البخار بالطاقة الشمسية.. وريادة المشروع تأتي من كونه يعد أول استخدام واسع للطاقة الشمسية في إنتاج النفط في العالم.
كما أنّ المشروع الذي سيقام في جنوب منطقة الامتياز التابعة لشركة تنمية نفط عمان بحقل "أمل" على مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة ويحتوي على 36 بيتا زجاجيًا وبتكلفة استثمارية 600 مليون دولار، يعتبر من مشاريع الجدوى العالية حيث إنه وبعد انتهاء مراحله الثلاثة في عام 2023م سيحقق أهدافا اقتصادية وعلمية وبحثية طموحة.
والمشروع، ترجمة لواحد من الأوجه العديدة من الطاقة الشمسية، هذه الطاقة النظيفة وغير المكلفة والتي يمكن استغلالها في الكثير من المجالات وأهمها توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر وغيرها من استخدامات تشكل فيها طاقة الشمس بديلا مثاليًا للوقود الأحفوري الذي يعرف عنه ارتفاع تكلفته وأضراره البيئية.
ولا شك أن استغلال الطاقة الشمسية في إنتاج النفط، يعد فتحًا جديدًا علينا أن نحسن استثماره بصورة تعظم عوائده وتجعل من السلطنة مركزا لهذا النوع من التقنية المستقبليّة الواعدة..
وحتى نؤسس وبمنهجيّة لإرساء قواعد هذه التقنية في عمان، ولكل التقنيات المرتبطة بالطاقة الشمسية، علينا أن نبدأ في التخطيط السليم، ووضع خارطة طريق للوصول إلى الأهداف المتوخاة.. خاصة وأنه لا تنقصنا العوامل الطبيعية من شمس مشرقة على مدار العام وبدرجات حرارة مواتية لتحويلها إلى مختلف أشكال الطاقة الأخرى وبجهد وإمكانيات معقولة.
وكما ذكرت آنفًا، وفي مناسبات سابقة، أرى أنّ البداية يمكن أن تكون بإنشاء مركز متخصص للطاقة الشمسيّة يُشرف على مشروع موحد للاستفادة من هذا المصدر المُتجدِّد عبر خطط عمليّة مرتبطة ببرنامج زمني، على أن يتواكب مع ذلك إعداد الكوادر الوطنيّة المُتخصصة والمؤهلة للتعامل مع التقنية.. ويمكن الشروع في تنفيذ الجزئيّة المتعلقة باعداد الكفاءات الوطنية منذ العام المقبل من خلال البدء بابتعاث مجموعة من أبنائنا لدراسة التخصصات ذات العلاقة بهذا المجال في الخارج، وخاصة في الجامعات التي قطعت شوطًا في هذا التخصص.. ويمكن لجامعاتنا وكلياتنا ذات العلاقة - لاحقا - استحداث تخصصات في هذا المجال في مناهجها العلميّة بغيّة تأهيل نخبة من أبناء هذا البلد في هذا المجال الحيوي، ولتكوين قاعدة معرفيّة حوله، وخلق الوعي اللازم بأهميته .. وهنا يتوقع من مجلس التعليم دعم المبادرات الهادفة إلى توطين علوم الطاقة الشمسية في بلادنا، كما يمكن لمجلس البحث العلمي أن يتبنى هذا التوجه العلمي ضمن مشاريعه، ويضعه على قائمة أولوياته، لأنه رهان المستقبل الرابح في ظل استنفاد المخزونات النفطيّة..
وغني عن القول أنّ التوجّه نحو استثمار طاقة الشمس، وتوظيفها في مختلف مجالات الحياة، لا يتصادم مع كوننا دولة نفطية باعتبار أنّ حقول الطاقة متداخلة وتكمل بعضها البعض؛ الأمر الذي يمنحنا الريادة في الجمع بين أكثر من مصدر من مصادر الطاقة وينعكس على تسريع وتيرة التنمية.
إنّ هذه التقنية التي تستخدم في زيادة إنتاج النفط الثقيل، من خلال إنتاج المحطة المستمر للبخار لتسهيل استخراج النفط شديد اللزوجة، تسهم في توفير الغاز الطبيعي عبر إحلال الطاقة الشمسية محله في إنتاج البخار، الأمر الذي يتيح الاستفادة من كمياّت الغاز الكبيرة التي يوفرها هذا المشروع واستغلالها للتوسع في الصناعة وإنتاج الماء والكهرباء.. لذا ينطوي المشروع على أهميّة اقتصادية كبيرة، ويعد ذا جدوى اقتصادية عالية القيمة.
ومن الفوائد المنظورة للمشروع البُعد البيئي حيث إنه يسهم في صون البيئة، إضافة إلى توطين التقنية في هذا المجال الواعد وهو استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج البخار المستخدم في إنتاج النفط، مما يتيح فرصًا كبيرة لتكون عمان مركزًا لهذه التقنية في العالم، وما يستتبع ذلك من تأهيل نوعي للشباب العماني في هذا المجال وتوفير فرص العمل الملائمة لهم. كما أنّ المشروع يسهم في انعاش قطاعات المواد الخام ذات العلاقة به مثل صناعة الألمنيوم والحديد وغيرها من مواد..
وخلاصة القول؛ إنّ هذه التقنية الواعدة تفتح المجال واسعًا لاستخدامها مستقبلا في مجالات أخرى عديدة، مما يجعل مشروع "مرآة" عاكسًا لطموحات السلطنة في أن تكون لها الريادة العالمية في هذا الميدان الحيوي.