وفد علماء الأزهر: للعمانيين مكانة خاصة في قلوب المصريين والتعاون بين الجانبين ممتد

◄ الحديدي: لاحظنا الحرص على الإنصات للدروس كما كان يفعل أصحاب النبي

◄ الصفتي: الزيارة تهدف إلى مؤازرة الدعاة والخطباء العمانيين والتناصح في المجال العلمي

الرُّؤية - حَمَد العلوي

يُلقي وفد الأزهر الشريف عددا من المحاضرات والدروس في مساجد وجوامع جنوب الشرقية؛ في إطار التعاون المستمر بين وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بسلطنة عمان ووزارة الأوقاف المصرية. وقال الدكتور حمدالله حافظ الصفتي عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إنَّ الزيارة تأتي في إطار التعاون بين جمهورية مصر العربية والسلطنة، والتنسيق بين الأزهر الشريف والهيئات الدعوية في بلاد الإسلام بهدف مؤازرة الدعاة والوعاظ والخطباء العمانيين، وتوضيح مبادئ الإسلام وحقائقه، وإزالة الغبش الذي علق بتلك الصورة عند البعض؛ نتيجة التشوهات الفكرية التي ظهرت مؤخرا على الساحة، إضافة إلى التشاور والتناصح في المجال العلمي والدعوي للمساهمة في تلاقح الأفكار حول القضايا المشتركة؛ مثل: تجديد الخطاب الديني، وإعادة المنظومة الأخلاقية إلى المجتمع الإسلامي.

وأضاف الصفتي بأنَّ الشعب العماني من الشعوب التي لها مكانة خاصة في قلوب المصريين والتعاون بين البلدين قديم والعلاقة بين الطرفين وطيدة، وقد رأينا الشعب العماني طيبا ذا أخلاق رفيعة ودماثة في المعاملة؛ فقد أحسنوا استقبالنا غاية الإحسان.. فجزاهم الله خيرا.

وقال الدكتور أسامه هاشم الحديدي إمام وخطيب مسجد الإمام الحسين في القاهرة: إنَّ الله منَّ علينا بهذه الزيارة المباركة لأشقائنا بسلطنة عمان، وأسأل الله تعالى أن يجعلها زيارة مباركة عامرة بالنفع لنا ولهم، وأسأل الله أن يجعل عملنا وعملكم خالصا.. أسأل الله أن ينفعنا بعلمكم وثقافاتكم فقد اطلعنا على ثقافات جديدة وعلى مجتمع جديد. وبادرة خير من الأزهر الشريف أن مهَّد الوفد الذي اختاره فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشيخ الدكتور أحمد الطيب لهذه الزيارة، وضم الوفد فضيلة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، والدكتور محيي الدين عفيفي أمين عام مجمع الفقه الإسلامي، وفضيلة الدكتور سعيد عامر الأمين العام المساعد لمجمع الفقه الإسلامي...وغيرهم.

وتابع الحديدي: معنا في الوفد خيرة العلماء، ومن الشخصيات المعتبرة في مصر؛ ليوطِّد الوفد العلاقات بين البلدين، وهذا بفضل العلاقات بين البلدين، والسعي إلى الوحدة ونبذ الفرقة والعنف، وكلنا تحت مظلة واحدة وهي مظلة الاسلام ومظلة العروبة، ونسأل الله تعالى أن يوحد شملنا، ويوحد صفنا، ويرفع رايتنا، وأقول كما قال معن بن زائدة كونوا جميعا يا بني فالوحدة الوحدة الوحدة؛ الأمر الذي تدور عليه الأمة الإسلامية؛ فالأمة العربية والإسلامية يحاك لها من محاولات لتشتيت شملها، ومحاولات لزعزعتها، ونسأل الله أن يوحد الصف.

وأضاف بأنَّ أعضاء الوفد لاحظوا الاستماع والإنصات في الدروس والمحاضرات، كما كانت سمات أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كانوا يجلسون كأن على رؤوسهم الطير لا يتحركون من شدة إنصاتهم لحديث رسول لله -صلى الله عليه وسلم- فلا يملون من حديثه -صلى الله عليه وسلم- وتابع: هكذا رأينا الناس هنا يهتمون ويستمعون كلام الله سبحانه وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كأن على رؤوسهم الطير.

وأكد الحديدي أنَّ الإسلام هو أعظم مِنَّة قد امتنَّ الله -عزَّ وجلَّ- بها على عباده "يمُنُّونَ عليك أن أسلموا قل لا تَمُنُّوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين"، وتمام المنة أنَّ الإسلام هو الدين الوحيد الذى كفل لأتباعه والمتدينين به السعادة فى الدارين الدنيا والآخرة "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة". وتكون السعادة التامة في اتباع آيات كتاب الله وأحاديث رسول الله صبى الله عليه وسلم: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، وعقيدة وأخلاق وقيم وحدود أرساها الإسلام من خلال سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- حصن العقيدة ومظهر الحقيقة ولسان الشريعة، ولكننا نجد الحياة تَجُدُّ فى السير وتسرع الخطى وعجلة الزمان لا تنتظر أحدا؛ لذا فإنه من الواجب علينا أن نلزم منهجه وهديه -صلى الله عليه وسلم- ما تبقى لنا من أنفاس في هذه الحياة؛ لذا وجب علينا جميعا أن نعلم أن الإسلام لم يكن في يومٍ من الأيَّام مجرَّد طقوس لا علاقة له بواقع الناس وشئونهم الحياتية ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يدعو بهذا الدين إلى منهج حياة متكاملٍ يمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي: لا إله إلا الله، وكلمة التوحيد هذه ترجع الإنسان إلى حَكَمٍ واحد هو الخالق الحكم العدل سبحانه.

وأوضح الشيخ الحديدي أنَّ الإسلام جاء بمقاصد عديدة عظيمة؛ أهمها تلك الكليات الخمس التي جاء الإسلام ليحافظ عليها لتصبح علامات واضحة على سماحة الإسلام، ألا وإن الإسلام قد حافظ على: النفس والعقل والدين والمال والعرض إن حافظ المسلمون على ما أمرهم الإسلام بحفظه فقد حُفِظُوا وسَعِدوا وسعدت الدنيا من حولهم .وإذا حفظ النفس ركن رئيسي في الإسلام فمن قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، قال الله تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون". وقد ورد عن مجاهد أنه قال فى قوله تعالى "من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا" وقوله تعالى: "وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ جهنم"، قال: يصير إلى جهنم بقتل المؤمن، كما أنه لو قتل الناس جميعًا لصار إلى جهنم.

وأكد الشيخ أنَّ هدف الدين في المقام الأول سلامة تلك الضرورات الخمس التي لا يستغني عنها الإنسان: سلامة النفس، وسلامة العرض، وسلامة المال، وسلامة العقل، وسلامة الدين، وكل التشريعات تدور حول سلامة هذه الضرورات الخمس، ثم شرع حدوداً تحفظ هذه الضرورات الخمس؛ فبحدِّ السرقة يحفظ المال، وبالقصاص تحفظ الأنفس، وبحد الزنا والقذف تحفظ الأعراض، وبحد السكر يحفظ العقل، وبإقامة هذه الأربع جميعاً يحفظ الدين. والدماء معصومة في الإسلام حتى إنها أشد حرمة من بيت الله الحرام، وقد وضع الإسلام ضوابط لِحِلِّها "لهَدْمُ الكعبةِ حجرًا حجرًا أهونُ على اللهِ من قتْلِ المسلمِ". وفي رواية أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "لَزوالُ الدنيا أهوَنُ على اللهِ مِن قتلِ مؤمنٍ بغيرِ حقّ"؛ فهناك ضوابط وضعها الإسلام والتي بموجبها تستقيم الحياة وتسعد البشرية "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".

وتابع الشيخ: انظر إلى سماحته وحسن معاملته -صلى الله عليه وسلم- حتى لغير المسلمين ونحن لا نخالف الحقيقة إذا قلنا: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعامل غير المسلمين المحيطين به معاملة الرجل لأهله، فها هو أنس -رضي الله عنه- يروي موقفًا عجيبًا من مواقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "كان غلام يهودي يخدُم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه فقال له: "أسلم"، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم. فأسلم؛ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النار". وتأمل هذا المشهد جيدا بعقلك وقلبك "إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد". فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمل غلامًا يهوديًّا في الخدمة ولا يمتنع عن ذلك ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى في داخل المدينة المنورة حياة طبيعية. ثم يمرض هذا الغلام، فيذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليعوده في بيته!

واختتم بالإشارة إلى وجوب إدراك قيمة الموقف؛ حيث إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم النبيين ورسول الإسلام وقائد المدينة المنورة وما ورائها من بعد فتوحات الإسلام والغلام اليهودي لا يعدو أن يكون خادمًا، وعلى غير مِلَّة الإسلام، فقد اعتدنا أن نقرأ مثل هذه المواقف عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نعُدْ نحلِّل وندرس، ولكن الوقوف للتدبُّر في مثل هذه الكنوز يعطينا فيضًا هائلاً من الخير والحكمة.

تعليق عبر الفيس بوك