مجلس الشورى.. معطيات الواقع وتحديات المستقبل

د . صالح بن هاشل المسكري

 

سيتوجه الناخبون العمانيون في النصف الثاني من شهر أكتوبر القادم إلى صناديق الاقتراع لاختيار 85 شخصا لعضوية مجلس الشورى للفترة الثامنة التي ستبدأ من نوفمبر حتى العام 2019م، وهي الانتخابات الأولى في ظل قانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى الصادر في 31 أكتوبر 2013م والثانية بعد تعديل النظام الأساسي للدولة في 19 أكتوبر 2011مالذيأكد على أهمية تطوير مسيرة الشورى في البلاد لمصلحة الوطن والمواطنين وأهمية المشاركة من جميع أفراد المجتمع في مسيرة التنمية الشاملة بما يتماشى ومتطلبات التطور المنشود، وقد منح تعديل 2011م مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية ومالية مهمة، ومن واجب جميع المواطنين المستوفين لشروط الانتخابأن يبادروا إلى المشاركة والتصويت في الانتخاباتالقادمة من أجل إنجاح هذا المشروع الوطنيوالخروج بهلمزيد من التقدم والنجاح للدولة العمانية التي سعت لتأسيس قيم الحرية والديمقراطية وآمنت بحق المواطنين في المشاركة في إدارةشؤون بلادهممن أجل تعزيز العمل الوطني وترسيخ المبادئ الموجهة لسياسة الدولة،السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية.

إن أعضاء المجالس النيابية الممثلين للأمة هم ما اصطَلح عليه فقهاء السياسة الشرعية قديماً بأهل الحل والعقد،فهم العلماء والرؤساء ووجوه الناس على رأي الإمام النووي، وهم المؤتمنون أهل الرأي والتدبير كما يصفهم أبو ذر الغفاري، وأهل العدالة والرأي والحكمة حسب الماوردي،وهم المتَّبعون في الأمة الحائزون على ثقتها ورضاها لما عرفوا به من التقوى والعدالة والإخلاص والاستقامة وحسن الرأي ومعرفة الأمور والحرص على مصالح العباد، حسبإشارة الدكتور عبدالله الطريقي في كتابه "أهل الحل والعقد صفاتهم ووظائفهم" ونحن لسنا ملزمين اليوم بإطلاق هذا المصطلح على من يقومون بمهمتهم في المؤسسات البرلمانية،فالعبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.

ويُمارس أعضاء مجلس عُماناختصاصاتهمالتي حددها النظام الأساسي للدولة،وهي صلاحيات متقدمة بلا شك تدل علىمدى التطور التشريعي والرقابي الذي تسير عليه هذه المؤسسة،من هذه الصلاحياتاقتراح القوانين التي تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم وتلك التي تتعلق بالمصلحة العامة للدولة، ورقابة الحكومة وتقييم أدائها ومحاسبتها على تقصيرها أو تجاوزها لاختصاصها،ومراجعةالإنفاق العام مع إبداء الرأيعلى الميزانية السنوية للدولة وعلى مشروعات الاتفاقيات الاقتصادية والاجتماعية،ولا شك أن سقف الطموح لدى أعضاء مجلس عمان بغرفتيه الدولة والشورى يرتفع وهو طموح مستحق لأن المجلسهو قلب الأمة وعينها الساهرة على مصالحها، وهناك رغبة في توسيع نطاق المشاركة لدعم القرار السياسيوالإطلاع على بعض الملفات الحصينةالمرتبطة بالجهاتالسيادية وتقديم الرأي والمشورة حولها " وإن كان هذاالرأي غير ملزم للحكومة أسوة بما عليه الوضع بالنسبة لوزارات الخدمات الأخرى"كل ذلك وفق الشرعية الدستورية التي تعني أن يكون النظام الأساسي هو المرجع لتحديد مؤسسات الدولة واختصاصاتها واختصاصات القائمين على تمثيلها المعبرين عن إرادتها باعتباره القانون الأسمى،وليس أية تعليمات أو قوانين عادية أخرى.

وتقع المسؤولية على الناخب الوطني في اختيار من يمثله في عضويةمجلس الشورىمن الناس الثقات الأمناء على مصالح الوطن وعلى مستقبلالمواطنينوبأرجحيّة وطنية تتجاوز تأثيرات القبيلة والعائلة وشلة الرفاق، وهو السبيل الذي يضمن تقوية هذه المؤسسةوتنقيتها مما قد يُشينمظهرها ويخلّ بواجباتها وجوهر رسالتها،من خلال ممارسة الحق الانتخابي وعدم التقاعسأوالامتناع عن التصويتثم بعد ذلك يُرمىالمجلس بالضعف وعدم الفاعلية، فالمجلس بالنتيجة هو صنيعة الناخبينويتشكلبإرادتهم الحرةالمستقلة، وهو ثمرة الديمقراطيةالمعبّرة عن شرعية الصندوق،وعدم المشاركةيمنح الفرصة لوصول الرويبضة من الناسالذين يسعون للشهرة والوجاهة الفارغةعلى حساب المصلحة العامة، ويجب على الجميع أن يتعاونوا ويتكاتفوا لقياممؤسسةبرلمانيةتعمل من أجل الحقيقة الكبرى عُمان وتنميتها وحفظ سمعتها وأمنها، مؤسسة تحترم الرأي والنظام العام وتساهم في تشكيله تشكيلا وطنيا متماسكاً بنبذالتضليل والتشنج والانفعال وردات الأفعال،وتعمل على حماية الحقوق والحريات المقررةللموطنينوتدافع عنها،وتحفظ حقوق الجاليات المقيمة في البلاد وحقوق الإنسان،فوجود مجلس للشورى واعٍوقوي وداعم بل مشارك في صنع القرار السياسيبات أمراً ضروريا لعمان المستقبل، بعيدا عن نظريةانه معارض للحكومة، أوأن الحكومة تفرضوصاية عليه.

أما فيما يخص إعلان قوائم أسماء المرشحين لانتخابات مجلس الشورىللفترة 2015 -2019م وما نتج عن ذلك من استبعاد أكثر من 170 مرشحا لأسباب بعضها قانونية منظورة تتعلق بعدم استيفاء شروط المادة 58 مكرر 10 من النظام الأساسي للدولة والمادة 34 من قانون الانتخابات، وأسباب أخرى غير منظورة للعامة تم إبلاغ الأشخاص المبعدين بها عن طريق مكاتب الولاة بعبارة واحدة "عليك تحفظ أمني" دون تقديم أية إيضاحات أو خلفيات عن هذا التحفظ الأمني،وتسبب هذا في حرج لجهات مختلفة، ودفع بأصحاب العلاقة سواء المرشحين المُبعدين أو مناصريهم أن يتلمّسواالأسباب الحقيقية لهذا الاستبعاد "وان كنت شخصياً أربأ بالجهات المختصة أن تتعمد استبعاد المرشحين دون أسباب جوهرية "كمايروجالبعض لإشباع الغرور وإثارة الغافلين من الناس،فلا توجد عداوة مع الأشخاص،وهناك من يلوم بعض المرشحينلقلة متابعتهم واطلاعهم وثقافتهم خاصة من الناحية القانونية،وأنهم تفرغوا لإنهاء أوراق ترشحهم كمن ينهي إجراءاتللسفر إلى جزيرة الأحلام، إضافة إلى أنهم لم يصارحوا المجتمع بماضيهم وسجلهم الأمنيالذي لا يعرف خباياه سواهم،ودخلوا المضمار بجوادٍ جامحٍ غير مُسرج.

مع هذا نقول إنّه كان بإمكان الجهات المختصة أن تتفادى الوقوع في هذه الحرج الذي أربك الكثيرين والذي وضع اللجان المشرفةعلى الانتخاباتفي مواجهة مباشرة أمام المجتمعدون أن يكون لها يد في الموضوع، وذلكبممارسة قدر من الشفافية المبكرة وفي مرحلة الإجراءات الأولى المطلوبة من المرشحين،ولا يسلمواعلى سبيل المثال براءات الذمة للمتقدمين للترشحإلا بعد التأكد من خلو صحائفهم الجرمية والأمنيةمن جميع الأوزار، وأن تُبيَّن الأسباب والملاحظات قبل قفل باب الترشح وليس بعد أن ترفع الأقلام،من أجل أن تتاح الفرصة للناخبين لاختيار البديل المناسبوعدم التفريط في شرائح واسعة من الناخبين،وهذا سيعمل على رأب الصدعوجمع الصفوف وقطع الطريق أمام أولئكالذين ينتظرون الفرصة لإطلاق أبواق النقدوانتقاد الحكومة بالذات،بأنها أشهرت العين الحمراء في وجه المعارضين لسياساتها وكل من ينوي الصدام معها مستقبلا، وأنها تعمدت اختيار من يروق لها وإقصاء من لا يروق لها ليطيب لها المقام في الفترةالقادمة.إن مثل هذهالملاحظاتلا شك تربك المجتمع وتحدث ردات فعل غير مطلوبة خاصة في هذه المرحلة التي تشهد فيها منطقة الجوار تحولات فكرية وصراعات سياسية غير مسبوقة، وقد تؤدي إلى تراجع غير منتظرفي المشاركة الشعبية والحريات السياسية في البلاد، وتُحجّمدور وفاعلية مجلس الشورى في ممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية والمالية،وتهيّج حساسية البعض تجاه دستورية بعض القوانينالتي تصدر خارج دور الانعقاد السنوي لمجلس عمان ولا يتم تمريرها إليه، ومنها قانون انتخابات أعضاء مجلس الشورى الحالي .إن كان هناك من مأخذ على قانونالانتخابات فهو استنساخهللمادة 58 من النظام الأساسي للدولة الخاصة بمجلس عمان دون أية محاولة للتفسير، ووجود هذه المادة بتفاصيلها الإجرائية والفنية الدقيقةالتي تصل لأكثر من 33 مادة من أصل 44 لمجلس عمان،هو قيد ثقيل على المجلسسيعاني منه في المستقبل، وكان من الأفضل أن يكون محل بعض فقرات المادة58 على الأقل القانون العادي المكملالذي يسهل تعديله والإضافة إليه وليس النظام الأساسي للدولة الذي يتطلب إجراءات خاصة لتعديله.

إجمالاً هذه هيالفترةالأولى التي يطبق فيها قانونالانتخابات الجديد وسوف يستفيد من هذه التجربة الناخب والمُنتخب والمسؤول في الحكومة، ومن المؤكد أنها سوف تتطوروفق سياسة التدرج الذي تنتهجها القيادة السياسية للبلاد، وحسناً فعلت المحكمة الإدارية عندماقبلت شكلاً دعاوىالمرشحين المبعدين وبدأت في تلقي الطعون الفردية مطلع هذا الأسبوع ونرجو ألا ترفضها موضوعاً،لأجل إرساء مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات كثقافةيحترمهاالجميع، ولكي يقول القضاء كلمته ويحكم بالعدل والحكم عنوان الحقيقة، ومنلم يُقبل ترشحهللفترة الثامنة القادمة عليه أن يتعلم الدرس ويستفيد للفترات القادمة، فعمان بإذن الله بخير والمسيرة فيها مستمرة ومتطورة جيلا بعد جيل، وعليه أن يضع يده في يد إخوتهالعاملين من أجل عمان في جميع قطاعات الإنتاج ويساهم في الحفاظ على المكاسب التي تحققت، وأن يتحمل مسؤوليته المنتظرةفي تعزيز نهضة عمان،وهي أمانة نحملهاجميعاً.

Sh-almaskry5@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك