استعراض كتاب "شرح الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أسماء أئمة عمان وما لهم في العدل من الشأن"

فهد بن علي السعدي

تزخر عمان بل والعالم الإسلامي بعلماء ومفكرين لهم باع طويل في نشر العلم والمعرفة من خلال مؤلفاتهم،ونقدم للقارئ اليوم كتابفي تأريخ عُمان، بعنوان "شرح الشعاع الشائع باللمعان في ذكر أسماء أئمة عمان وما لهم في العدل من الشأن" لمؤلفه حميد بن محمد بن رزيق بن بخيت الشهير بـ"ابن رزيق"،مؤرخ أديب، وشاعر بليغ، عاش في القرن الثالث عشر الهجري، من ولاية نخل. ولد سنة 1198هـ، وأخذ العلم وكثيرا من مروياته التاريخية عن الشيخ مبارك بن عبدالله النزوي. ونشأ محبا للعلم وحريصا على صحبة العلماء وأهل الأدب خاصة، وانكب على القراءة، ووجد في مكتبة أبيه ومكتبات السادة البوسعيديين وأفاضل العلماء في عُمان ثروة هائلة من كتب الأدب والدين والتاريخ.

وقد نشأ ابن رزيق في بحبوحة من العيش في مسقط، وكانت له علاقة بأفراد العائلة الحاكمة؛ خاصة السيد سالم بن سلطان وأولاده، الذي كان صديقًا حميمًا له. كما كانت له علاقات ودية مع علماء عصره وأدبائه داخل عمان وخارجها كالشيخ ناصر بن أبي نبهان، والشيخ ناصر بن محمد الخروصي، والشيخ حماد بن محمد البسط، وعلي بن ناصر النبهاني، وغيرهم.

له عدة مؤلفات في الأدب والتاريخ، منها: الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، والصحيفة القحطانية، والصحيفة العدنانية، ودواوين شعريّة تزيد على الثمانية، منها: سبائك اللجين، وسلك الفريد في مدح السيد الحميد ثويني بن سعيد، وغيرها. توفي سنة 1291هـ على وجه التقدير.

وكتاب شرح الشعاع الشائع باللمعان شرح لمنظومته التي حرّرها في سيرة أئمة عُمان منذ الإمام الجلندي بن مسعود إلى الإمام سلطان بن مرشد اليعربي عند سنة 1156هـ، وعدد الأئمة المذكورين خمسةٌ وعشرون إمامًا.

ولم يصرّح المؤلِّف بتأريخ تأليفه، لكن يُفهم من نصٍّ ساقه في كتابه أنّ تأليفه كان سنة 1275هـ، يقول: "فغرسوا فيها -أي مسقط- نخلًا وأشجارًا، تسقيها آبارٌ، وآثار هذه الآبار باقيةٌ إلى هذه الغاية سنة الخمس والسبعين والمائتين والألف".

وقد ذكر ابن رزيق في مقدّمة كتابه سبب كتابته للمنظومة وشرحها، فيقول: "لقد سألني بعض الإخوان في الدين أن أنظم قصيدةً في أسماء أئمّة عمان الصالحين، المنتوين عن الهجين، المسوغين عمان وغيرها بالصنيع المعين، وأن أشرحها شرحًا مختصرًا مفيدًا، أو شرحًا بسيطًا لا يطلب العارف له مزيدًا، فأجبتُه مع عدم النباهة، ووجود الفهاهة امتثالًا لأمره، وانخفاضًا منّي لارتفاع قدره".

ومنهجه في كتابه أنه يشرح مفردات القصيدة شرحاً لغوياً مع إعرابها نحوياً وبلاغياً، ثم يشرح المعنى الكلي للبيت، ويعقب ذلك بذكر التأريخ الذي يتضمنه البيت أو الأبيات. وهذا أنموذج لشرح البيت الأوّل من القصيدة، يقول:

عمانٌ عن لسان الحال ردِّي***جوابًا منك لي أرجو جوابا

التفسير: لا يخفى على الخبير أنّ سؤالي لعمان وإرادتي منها الجواب مجازٌ لن يُرتاب؛ إذ الدار لا تعقل فحوى الخطاب، وليس لها في الحقيقة قدرة على الجواب، وإنما سمّي المجاز مجازًا أي مجازٌ للحقيقة في هذه الطريقة ... على أني أتحت السؤال لأهلها لا لها، وأردتُ الجواب لي منهم لا منها، وعمان سمّتها الأزد بهذا الاسم الشريف، وهم الذين سكنوها في القديم، وأجلوا الفرس منها، فما تركوا لهم فيها يدًا ولا حسامًا مسنونًا، وكانت الفرس تسمّى عمان مزونًا، وللأزد بلادٌ في الشام تسمّى عمّان، فقرنوا اسمها باسمها، فأزالوا الشدّة عن هذه، وتركوه على حاله لتلك للتفرقة بينهما ...".

لم يصرِّح ابن رزيق بمصادره في كتابه إلا ما ندر، ومنها: سيرة خلفان بن قيصر؛ بالإضافة إلى الأخبار التي تلقّاها من الثقات حسب قوله. وقد يخرج عن موضوع التأريخ الذي هو فيه إلى تأريخٍ آخر لا يتصل بالتأريخ الأول، ويستطرد في ذلك طويلًا.

ويعد كتاب ابن رزيق هذا أحد مصادر التاريخ العماني المهمة.

توجد نسختان من الكتاب، نسخةٌ بخطّ المؤلِّف بمكتبة جامعة كيمبردج/بريطانيا؛ برقم (184)، ونسخةٌ أخرى في دار المخطوطات/سلطنة عمان؛ برقم (3663).

وقامت وزارة التراث والثقافة بطبع الكتاب ونشره لأول مرةٍ سنة 1398هـ/ 1978م بتحقيق: عبدالمنعم عامر.

تعليق عبر الفيس بوك