أهالي قرية معمد بمنح يحيون ليلة التهلولة لترسيخ التراث العماني في نفوس الأطفال

 

منح - العمانية

أحيا أهالي قرية معمد بولاية منح بمحافظة الداخلية ليلة "التهلولة" بمناسبة مرور النصف الأول من شهر رمضان وابتهاجاً بدخول النصف الثاني منه. وتجمع أطفال القرية وأخذوا يجوبون الطرقات بعد صلاة التراويح مرددين وراء المهلل "سبحان الله ولا إله إلا الله"، يؤمهم أحد الأطفال ويقرأ عليهم ترنيمة التهلولة المتوارثة من التراث الديني العماني. وفيما كان الأطفال يزهون بلباسهم العماني كانت القناديل التي يحملونها تنير الطرقات وكانت الأصوات تتعالى وهم يرددون التهلولة التي تترك في النفس أثراً جميلاً يحيي الزمان الذي كانت فيه التهلولة أنشودة الأطفال العذبة.

ومع موعد انطلاقة التهلولة كان الأطفال قد تجمعوا في الساحة العامة عند باب الحارة الأثرية، ومع بدئها أخذوا يجوبون طرقات القرية الرئيسية مرددين مع المهلل هذا المقطع: سبحان الله ولا إله إلا الله. وكان المشهد بديعا حيث الأطفال يطوفون في الدروب بألوانهم الزاهية الذكور بالثياب البيض والإناث بثيابهن الملونة وكأنهن حقل متحرك بالزهور، وكان المشهد مؤثرا في اللحظة التي يردد فيها الأطفال مع المهلل، ما يتناهى إلى سمعهم لأول مرة، وبعضهم للمرة الثانية من تسبيح وتحميد وتكبير. وأقيمت هذه التجربة العام الماضي في مثل هذه الأيام، لتصبح سلوكا يسعى أهالي القرية على بقائه، غارسا في نفوس الأطفال الكثير من القيم الدينية.

وقال سعيد بن حميد السليماني منظم التهلولة إن هذه هي التجربة الثالثة لنا في إحياء ليلة التهلولة، وهذه العادة نرى أنها تؤلف ما بين أطفال القرية، ونحن في هذه التجربة ارتأينا أن نقدمها في أول ليلة من ليالي النصف الثاني من شهر رمضان.

وأضاف أن التهلولة موروث ثقافي وديني، ومن المهم أن نعود أبناءنا على التهليل والتسبيح والتكبير، بفرح عارم ونفس مقدمة على حب الله وفعل الخير. مؤكداً أن التهلولة كانت تقام منذ القدم في العشر الأوائل من شهر ذي الحجة، ابتهاجًا باستقبال عيد الأضحى المبارك، ولكن رأينا أن قراءتها في النصف الثاني من شهر رمضان يتناسب مع نفحات الشهر المبارك، لتعيش القرية ليلة استثنائية مع التهلولة، يحييها أطفالها، وتعيد إلى الأذهان تلك التهلولة حاملين القناديل، وهي تنير الدروب بأنوار المصابيح المتجانس مع أنوار ذكر الله.

وقال هلال بن محمد الشرياني، الذي جمع نص "التهلولة" في كتيب مستقل، قامت بطباعته مكتبة أبي الفضل بن العباس السيفي بنزوى عام 1988م: وجدت هذا النص لدى معلمة القرآن الكريم، المرحومة زيانة بنت سعيد بن حبيب الغطريفية، كانت تعلم القرآن في منزلها بحارة العقر بمدينة نزوى، حيث درست على يدها القرآن الكريم وإن هذا النص كان مكتوبا في أوراق متناثرة، وكانت المعلمة تحافظ عليه كثيراً، وكان يضم أنشودة "التيمينة"، التي تقرأ بمناسبة ختام الطالب لدراسة وحفظ القرآن الكريم، وكان يتضمن ذلك الكتاب نص "التهلولة المباركة" وقام الباحث عبد الله بن سعيد السيفي بضبط النص من التصحيف النحوي، ونقله نقلا صحيحا ومحققا، فنشرناه في كتاب، وبقي هذا المطبوع سنوات طويلة في أيادي الطلاب، يقرأونه في المناسبات.

وأضاف أن الجميع يحث هذا الجيل على قراءة التهلولة، لما فيها من فضل وذكر، فهي إرث ثقافي عماني، يحفز على القيم، ويعيد إلى الأذهان حياة الترابط والتكاتف بين الناس، يوم أن كان أطفالهم يقرأونها في الليالي، فيضمخون الدروب بأصواتهم الندية.

وقال عبد الله بن سعيد السيفي إن التهلولة نص ديني وشعري، وثقه الناس في الأوراق، وحفظته الصدور، ويمكن القول إنه نص عماني بامتياز، يقدم في مناسبات دينية بهيجة، حيث يتجمع أطفال الحارة بين صلاة العشاءين، يرددون مع المهلل ترديدا جماعيا: "سبحان الله ولا إله إلا الله"، وبلا الشك فإن نص التهلولة فيه الكثير مما يحث الطفل على التمسك بالقيم النبيلة والأخلاق السامية الرفيعة. وقد ورد في تعريف التهلولة: إنها كلام عذب، ألفاظه مشتقة من قول "لا إله إلا الله"، وهو التوحيد والتسبيح والتحميد والتمجيد لله رب العالمين، وفي ألفاظها ذكر لله، ويمكن قراءتها في أي ليلة من الليالي، وذلك لتعويد الأطفال عليها، ومحاولة لإحياء إرث عماني قديم، يتوافق مع تكويننا الثقافي العماني، المشبع بالروحانية الدينية، وفي ختام التهلولة يتم توزيع الهدايا للأطفال. ومن التهلولة هذه المقاطع: سبحان الله تعوذنا من الشيطان، سبحان الله تسمينا بالرحمن، سبحان الله برب العرش والأركان سبحان الله توكلنا على الديان، سبحان الله وكبرنا عظيم الشان، سبحان الله وعظمنا ذا الإحسان سبحان الله بطول الدهر والأزمان، سبحان الله كبروا بالتهليل، سبحان الله وقدسوه بالتفضيل سبحان الله وهو واحد جليل، سبحان الله وهو صاحب الجميل، سبحان الله وكفى به وكيل .وتنتهي التهلولة بهذه المقطع: سبحان الله وختمت قولي بالسلام، سبحان الله عليك يا بدر التمام سبحان الله محمد خير الأنام، سبحان الله والملائكة الغر الكرام، سبحان الله متى ترنم الحمام سبحان الله ولاح برق في الغمام .وفي ختام التهلولة أعرب أهالي القرية عن ترحيبهم بإحياء هذا المورث العماني مؤكدين أن أرجاء الدروب تعطرت بأصوات الأطفال المهللة .

 

تعليق عبر الفيس بوك