طقوس وأجواء رمضانيّة تميز السلطنة بدءًا من ليلة استطلاع الهلال وحتى هبطات العيد

وادي بني خالد -العمانية

تختلف الأجواء والطقوس الرمضانية باختلاف البلدان وثقافات شعوبها، بدءًا من تجهيزات استطلاع هلال الشهر الكريم والاستعداد لصوم اليوم الأول من الشهر المبارك بالسحور وسط العائلات وغيرها. وتتجلى هذه الطقوس في العادات والتقاليد التي يمارسها المجتمع أو في الممارسات التي تقوم بها الأسر بشكل منفرد سواء داخل المنزل أو خارجه وتشمل وجبات الطعام والزيارات وغيرها من الأمور.

وتتميّز السلطنة بطقوس متنوّعة خلال شهر رمضان المبارك بدءًا من ليلة استطلاع الهلال حيث يستمع الجميع عبر وسائل الإعلام وينتظرون خبر دخول الشهر المبارك، وكذلك الأمر في نهاية الشهر حيث ينتظرون استقبال عيد الفطر المبارك.ويجتمع الأهالي في منازلهم أو في الأماكن العامة لمتابعة وسائل الإعلام المختلفة حيث تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بمتابعة وتحري رؤية الهلال عبر وسيلتين، الأولى من خلال مخاطبة الجمهور عبر مكاتب أصحاب السعادةالولاة في محافظات وولايات السلطنة المختلفة حيث تشكل لجان في كل ولاية يرأسها سعادة والي الولاية وفيها أعضاء من أهل الخبرة والثقة للتحري المباشر للهلال أمّا الثانية فتكون عبر المراصد الفلكيّة التي استحدثتها الوزارة لرصد ومتابعة رؤية الهلال.

وتلتقى اللجنة الرئيسية لاستطلاع رؤية هلال شهر رمضان المبارك برئاسة معالي الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الدينية وعضوية عدد من كبار العلماء بالسلطنة البلاغات الواردة من اللجان الفرعية بمحافظات وولايات السلطنة المختلفة لتقرر بعد دراسة تلك البلاغات والتأكد منها ثبوت رؤية الهلال من عدمه، وتعلن ذلك للجمهور عبر وسائل الإعلام المختلفة.وإذا ثبتت رؤية الهلال يجتمع الأهالي في المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح وبعد الانتهاء من الصلاة يسلمون على بعضهم ويتبادلون التهاني والتبريكات بمناسبة قدوم الشهر الفضيل كما يقومون بزيارات للأقارب وخاصة من يسكنون قريبًا من منازلهم بل إنّ بعضهم يقوم بزيارة الأقارب خاصة كبار السن وتهنئتهم بقدوم هذه المناسبة قبل دخول الشهر المبارك بيومين أو ثلاثة حفاظًا على صلة الرحم.ويصطحب الآباء أبناءهم وخاصة الصغار في صلاة التراويح بعد شرح نظري واف ويتم التطبيق عمليا استنادا لهدى النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلوا كما رأيتموني أصلي) كما يحرص الآباء على تعويد الأبناء على الصيام وتحمل الجوع والعطش والصبر لما للصائم من أجر عظيم عند الله عزّوجل.ومن الطقوس الخاصة برمضان في مجتمعنا المحلي الإفطار الجماعي في المساجد وتجمع أفراد العائلة في بيت أكبرهم سنًا حيث يلتقي الصغير والكبير على مائدة الإفطار مجتمعين في حلقة واحدة.

وغالبًا ما يفطر الصائم في السلطنة على التمر والماء واللبن رغم كل ما يصنع في المنزل من وجبات ومعجنات إلا أنّ تناول (الأسودين) في الفطور يبقى أمرًا ضروريًا ويتجلّى في ذلك ارتباط العماني بالنخلة وهي عادة يتوارثها الأبناء من آبائهم وأجدادهم.ويستعد الأهالي لاستقبال شهر الصيام مبكرًا من خلال التسوّق وشراء المؤن الغذائية التي يحتاجونها لإعداد الوجبات المعتادة في شهر رمضان كالشوربة وعمل بعض المعجنات كالسمبوسة ووجبة الهريس وغيرها من المأكولات التي تصنع في المنازل كما يفضل البعض أكل السمك بعد الإفطار مباشرة وبشكل يومي، ويتم قبل الإفطار تبادل الأطباق بين الجيران وهي عادة ما زال المجتمع العماني محافظًا عليها وتجسّد مفاهيم التسامح والإخاء والألفة والمودة التي نشأ وكبر عليها أفراد المجتمع العماني قديما وحديثا.

ويحتفي في بعض ولايات السلطنة وخاصة ولايات محافظة مسقط بليلة النصف من رمضانحيث يتجول الأطفال في الأحياء السكنية داخل الحارات والطرقات في احتفالية تسمى (قرنقشوه) وهي عادة توجد في عدد من دول الخليج العربية وإن كانت تختلف في أسمائها فمثلا تسمى في المملكة العربية السعودية (قريقعان) وهنا يتجلى مدى التلاحم في العادات والتقاليد بين الشعوب الخليجية، ويخرج الأطفال في هذه الاحتفالية ليجمعوا ما يعطيهم أهاليهم وذويهم وجيرانهم من الحلويات والمكسرات والنقود كما تقوم بلدية مسقط أيضًا بإحياء هذه الليلة في الحدائق العامة بهدف إدخال الفرحة على قلوب الأطفال وإحياءً لهذا الموروث الشعبي الذي بات يقل تدريجيا مع ظهور المخططات السكنية الحديثة في مختلف المحافظات بالسلطنة.وتقام على مستوى محافظات وولايات السلطنة العديد من الأسواق التقليدية، سواء كانت الأسبوعية المعروفة في بعض الولايات بسوق الأربعاء أو الخميس أو الإثنين، وأخرى تقام على مدار العام كسوق مطرح وسوق نزوى والسوق المركزي بمحافظة ظفار وغيرها من الأسواق.

وتقام الأسواق الموسمية وتكون فعالياتها في أيام المناسبات الدينية فقط (عيدي الفطر والأضحى) وتسمى بسوق (الهبطات) وهي عبارة عن موعد معين وثابت ومعروف لدى الأهالي، حيث تعتبر الهبطات إرثا قديما بالسلطنة وهي عبارة عن سوق مفتوح يشهد إقبالاكبيرا من الزوار والمواطنين وتقام في جو تقليدي متميز قبل العيد بأيام.وتختلف هذه الهبطات في بعض الولايات في موعد إقامتهافبعضها تبدأ فعالياته في اليوم الثالث والعشرين من رمضان وتستمر إلى آخر يوم من رمضان وتعاد فعالياتها أيضًا في عيد الأضحى المبارك.

وهناك هبطات شهيرة يتطلع إليها المواطن العماني سواء كتاجر أو مستهلك رغم تعدد الأسواق وكثرتها وتنوع عملية التسوق من خلال المراكز والمجمّعات التجارية لكن يبقى المواطن العماني يتطلع وينتظر موسم الهبطات التي تتميز عن غيرها بشراء مستلزمات العيد وخاصة اللحوم حيث يجد متنفسًا في سوق الهبطات التي تشتهر بها السلطنة بشكل عام. كما تقوم الهيئة العمانية للأعمال الخيرية بتوزيع برنامج إفطار صائم على مختلف محافظات وولايات السلطنة ويتدافع الجميع على عمل الخير في هذا الشهر المبارك طلبا لرضوان الله تعالى والأجر والثواب الجزيل.وهناك زكاة الأبدان التي شرعها الله على عباده فالجميع يقوم بشراء مؤونة غذائية ليقوم بتوزيعها قبل صلاة عيد الفطر المبارك.ويحرص الناس على حضور حلقات الذّكر التي تقام في المساجد وخاصة بعد صلاتي الفجر والعصر وكذلك قراءة القرآن الكريم ويتنافسون على ختم المصحف الشريف ولو لمرة واحدة خلال شهر رمضان المبارك. وفي نهاية الشهر المبارك تستعد اللجان المختصة لاستطلاع رؤية هلال شهر شوال فبعد الإعلان الرسمي عن ثبوت رؤية الهلال يقوم الأهالي بتبادل التهاني والتبريكات وبعضهم يقوم بذلك قبل قدوم عيد الفطر المبارك بثلاثة أيام وتختلف الطقوس من ولاية إلى أخرى في موعد نحر بهيمة الأنعام لكن أغلب الولايات يتم فيها النحر قبل صلاة العيد كما يتناول الأهالي الوجبة العمانية المشهورة (العرسية) في نهار العيد وهي عبارة عن أرز ممزوج بالسمن العماني واللحم المحلي ويكون غالبا من صغار المواشي ثم يخرج الأهالي إلى المصليات المنتشرة في مختلف أرجاء السلطنة لأداء صلاة العيد وسماع الخطبة وهم يرتدون اللباس التقليدي وهو الدشداشة والمصر والخنجر العماني والعصا صغارًا وكبارًا وهي عادات وموروثات عمانيّة تأصلت في المجتمع العماني منذ القدم.

تعليق عبر الفيس بوك