رقائق (15)

عبدالله الحجي

لا يعرف الموت وقتا محددا يهجم فيه، فقد يشن حملة فناء في وضح النهار، وقد ينفِّذ ذلك في مدلهمات الليالي، فالمتأمل في وقائع مصارع الأنام، ليتملكه العجب العجاب، وتحتويه الدهشة من ألم المصاب، حين فقد الأحباب، فليس في قاموس الموت معنى للزمن، فكم هم الأنام الذين صرعتهم الآجال في مبتدأ النهار، وكم هم الذين انقضَّت عليهم في وقت الظهيرة، أو في وقت الأصيل، وكم هم الذين رحلوا عنا في جنح الليل، إذ لم يعلم بموتهم أحد إلا حينما رُئِيت جثثهم الهادمة ملقاة على فُرُشِ الموت.

وكم سرور استحال بوقع الموت إلى لوعة وأحزان، فكم هم الذين فُقدوا وهلال شهر شوال قد آذان بانبلاج فجره. وكم عرس بهيج، صيَّره هادم اللذات إلى مأتم، جثمت على أهله أنات الفقد، وأسف الرحيل. وكم منتظر حدثا مُسعدا، لم يدركه؛ لأن مفني القرون لم يمهله.

فهذه سنة الله تعالى في حياة البشر، فقد يعقب الفرح حزنا، وقد يعقب الحزن فرحا، فقد يفقد شخص ابنا له في ليلة، ويرزقه الله تعالى ابنا آخر في الليلة نفسها، ولله في تصريف أعمار عباده حِكَم وآيات، وعبر وغايات.

وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال:" كن في الدنيا كأنك غريب" أو عابر سبيل".

وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.

يا نائمَ الليلِ مسرورًا بأولِه *** إنَّ الحوادثَ قد يطرقنَ أسحارا

لا تفرحنَّبليلٍ طابَ أولُه*** فرُبَّ آخرِ ليلٍ أجَّجَ النارا

أفنى القرونَالتي كانت مُنَعَّمةً*** كَرُّ الجديدينِ إقبالا وإدبارا

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة