إدارة الوقت .. (1)

استشعارالإنسان لقيمة الوقت إدراك لوجوده ووظيفته في الحياة

 

- تقدم الأمم يقاس بحسن استثمارها للوقت

 

جوخة بنت علي الحارثية

(حَتَّى إِذَا جَاءأَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّاإِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِيُبْعَثُون)سورة المؤمنون(100(

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين.

معاني المفردات :
*(حَتَّىٰإِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْت):أي المشركين المكذبين بالله واليومالآخر.
*(قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُون): تمنى الرجعة كي يعمل صالحاً فيماترك: وقيل: إن معنى ارجعون على جهة التكرير؛أنه كررالطلب: أرجعني أرجعني أرجعني، فجمعها الله تعالى..وقيل: إنه استغاث باللهفقال: ربّ، ثمّ خاطب الملائكة: ارجعون إلى الدنيا.
*(لَعَلِّي أَعْمَلُصَالِحاً: يريد أشهد ألا إله إلاالله وما يتبعها من عمل صالح.
*(فِيمَا تَرَكْت): فيماضيعت وتركت العمل به من الطاعات، وقيل (فيما تركت) من المالفأتصدق.
*(كَلاّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا): عند الموت، ولكن لاتنفع؛ أي ليس الأمر على ما يظنه من أنه يجاب إلى الرجوع إلى الدنيا، بل هو كلاميطيح في أدراج الريح!!
*(وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِيُبْعَثُونَ ) أي:من أمامهم وبين أيديهم. وقيل : من خلفهم.
*(برزخ): أي حاجز بين الموت والبعث.

التفسير الجملي:

الإنسانلمجرد أن تحضره سكرات الموت ويُوقِن أنه ميّت تتكشف له الحقائق ويرى ما لا نراهنحن، فيتمنى أن يرجع إلى الدنيا وهو ما يزال يحتضر، لماذا؟ لأنّه رأى الحقيقةالتي كان ينكرها ويُكذِّب بها!!
والذين يشاهدون حال الموتى ساعة الإحتضار يروْنَمنهم إشارات تدلّ على أنهم يروْنَ أشياء لا نراها نحن، كُلٌّ حَسْب حالتهوخاتمته.
لكن، لماذا الرجوع؟
(لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً)أنني تركتُ كثيراً من أعمال الخير، فلعلِّي إنْ رجعتُ أستدرك ما فاتني منالصالحات، أو لعلِّي أعمل صالحاً فيما تركتُ، لأنني بخلت بمالي وبمجهودي وفَضْليعلى الناس، وكنْزتُ المال الكثير، وتركتُه خلفي ثم أُحاسب أنا عليه، فإنْ عُدتقدمته وأنفقته فيما يدخر لي ليوم القيامة.

ثم تأتي الإجابة:( كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا..) أيقوله: ارجعون لعلِّي أعملصالحاً فيما تركت، إنّها مجرد كلمة لا واقع لها، كلمة يقولها وقت الضيق والشدة،فالله تعالى لن يرجعهم، ولو أرجعهم ما فعلوا؛ لذلك نفاها بقوله (كلا) التي ترد علىقضايا تريد إثباتها، ويريد الله تعالى نفيها.
ثم يقول سبحانه: {وَمِنوَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي: كيف يتمنوْنَ الرجوعوبينهم وبينه برزَخ يمنعهم العودة إلى الدنيا؛ لذلك تُسمَّى الفترة بين الحياةالدنيا والآخرة بالحياة البرزخية، فليست من الدنيا، وليست منالآخرة.

الوقت هونعمة من نعم الله تعالى علينا وهو ملك للجميع، وهذه النعمة مقرونة بعقل يستغلهاأفضل استغلال، وافضل استغلال طبعاً يكون في الخير،ولا شك أنّ إدراكالإنسان لقيمة وقته ليس إلا إدراكًا لوجوده وإنسانيته ووظيفته في هذه الحياةالدنيا، وهذا لا يتحقق إلا باستشعاره للغاية التي من أجلها خلـقه الله عـز وجلوإدراكه لها.
فمـن المعلـوم أن الله قد خـلق الإنسـان لعبادته،قالتعالى:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون (56) مَاأُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ(57)إِنَّ اللَّهَ هُوَالرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
والمقصود بالعبادة هنا هو معناهاالشامل :اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنةوالظاهرة. لذلك كان الوقت أغلى ما يملكه الإنسان، فهو كنزه، ورأس مالهالحقيقي في هذه الدنيا، ذلك أنه وعاء كل شيء يمارسه الإنسان في حياته، ومسؤولية الإنسان عن وقته شاملة لجميع عمره، وهذا الوقت مما يُسأل عنهيوم القيامة !!!

ومما ينبغي الإشارة إليه هو أن تأكيد الإسلام علىإعطاء النفس حقها من الراحة والسعة دليل على قيمة الوقت وأهميته فيالإسلام،قال تعالى:(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) أي جعلالله النوم قطعًا للحركة، لتحصل الراحة من كثرة الترداد والسعي في المعايش في عرضالنهار وكأن النوم راحة إجبارية يتقوى بها الإنسان.
ولكن هذا الحق منالنوم والراحة للجسد والبدن مشروط، أي ينبغي أن يتقوى به الإنسان لما بعده،ويحتسبه للعمل،فهو يرتاح ليتقوى على العمل،وليست الراحة لمجرد البطالة !!
فمن العقوق للزمن أن يمضي على الواحد منا يوم لا يستفيد منهنمواً في علمه، ولا زيادة في إيمانه وتقواه لربه، ولا يزيد فيه عملاً صالحاً يقربهمن ربه، ورضي الله عن ابن مسعود إذ يقول: "ما ندمتُ على شيء، ندمي علىيومٍ غربت شمسُه نقَصَ فيه أجَلي، ولم يزدد فيه عملي".

ومما تقدمنرى أن:

· الوقت كنز إن صح استعماله وإدارته، ولا تعجبأن تقدم الأمم يقاس بحسن استثمارها للوقت، فالأمة التي تقيم أمورها على الوقت هيالتي تملك أهدافاً وتسعى لتحقيقها..راجين أن نكون خير أمة أخرجت للناس.

· الوقت هو الحياة، فهو في الحقيقة حياتنا على هذه الأرض لكي نقدمفيها ما يوصلنا إلى الغاية التي لأجلها خلقنا.

· والوقت نعمة وأمانة، يضيعها كثير من الناس، فالوقت إذا ذهب لن يرجع، وهذا يدفعنا لاستغلال كل لحظةمنه،كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول :"إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك".

نسأل الله - عز وجل - بمنِّهوكرمه أن يعاملنا بلطفه وكرمه، وأن يرزقنا حسن التعامل مع أوقاتنا، وأن يجعل يومناخيراً من أمسنا، ومستقبلنا خيراً من حاضرنا، وأن يوفقنا لفعل الخيرات، وتركالمنكرات، وأن يأخذ بنواصينا ونواصي ذرياتنا وأحبابنا إلى ما يحبه ويرضاه، إن ربيلطيف رحيم.

*دائرة الإرشاد النسوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة