قراءة في ملف مجلس الشورى

د.هاشل بن سعد الغافري

تابعت في الأيام القليلة الماضية ردود الأفعال الناتجة عن استبعاد عدد من المترشحين لعضوية مجلس الشورى وقرأت كثيراً من المقالات والتغريدات والتعليقات عبرالصحف ومواقع التواصل الاجتماعي والناس في ذلك بين مؤيد ومعارض.

والحقيقة أنني لم استغرب انبعاث هذا الكم الهائل من الشحنات العاطفية الموجبة منها والسالبة التي خرجت من صدور الناس في ربوع الوطن الغالي فأنا أدرك تماماً سيكولوجية الشخصية العمانية المعاصرة التي أضحت مشحونة بسبب متغيرات الواقع المتراكمة والقلق الناتج من تقلبات الأحداث وتسارعها ومع ذلك لست قلقاً من هذا الضجيج الذي أحدثه قرار استبعاد عدد من المترشحين، لأنه ضجيج مؤقت وسينتهي بانتهاء الأثر قياساً على أحداث سابقةوستأتي أحداث أخرى تشغل الناس عما قبلها وذاكرة الفرد العربي المعاصر قصيرة المدى وانفعالاته كنار الليف تشتعل بسرعة ثم سرعان ما تخمد وتنطفئ، ومتخذ القرار يعرف سيكولوجية المجتمع جيداً لذلك اتخذ القرار في صمت واكتفى بذلك وترك النَّاس ينشغل بعضهم ببعض في حوارات منطقية ولا منطقيةوبعدها يعودون إلى بياتهم الشتوي والصيفي بعد أن يخرجوامن صدورهم تلك الطاقة المختزنة عبر الكلام المنطوق والمكتوب.

ومع أنّ للجهات المعنية أسبابها ومبرراتها في الإبقاء والإبعاد للمترشحين وليس بالضرورة أن تعلن عنها إلا أنه من الضرورة أن يعرف الشخص المستبعد أسباب استبعاده وهذا حقه ومن الواجب عدم غمطه هذا الحق حتى يكون على بينة من أمره. وعلى كل حال فإنّ قضية الشورى لا تتمركز في قرار الاستبعاد ولا ينبغي أن نتعامل مع مثل هذا الأمر بطريقة المعية أو الضدية لأنّها طريقة جوفاء تحدث صوتاً ولا تقدم نفعاً.علينا أن نركز في مجلس الشورى ذاته؛ ما الهدف الذي قام من أجله مجلس الشورى؟ لماذا أنشئ؟ هل هو تكيف مع الواقع العربي والعالمي أم هي حاجة مجتمعية؟ وماهي هذه الحاجة؟. وإذا كانت هناك أهداف للمجلس فما الإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق تلك الأهداف؟ وهل تلك الأهداف واضحة لكل من المشرع والمنفذ والمواطن؟.

اقتضى الهدف من إنشاء مجلس الشورى أن يكون سلطة تشريعية كإحدى السلطات الثلاث الرئيسية في الدولة وهذا يعني أن التشريع هو عمل عضو مجلس الشورى بالدرجة الأولى.وإذا كان هذا هو عمله فما الداعي إلى أن يكون ممثلا لولاية كذا؟ فعمله متعلق بالتشريعات والقوانين والأنظمة،والقانون لا يتعلق بولاية دون أخرى فهو في عمله ذلك لا يمثل ولايته أو أفراد ولايته وإنما يمثل القانون الذي يقوم ببنائه أو تعديله أو إلغائه لذلك استغرب من تلك النبرة التي يصر عليها كثير من الناس بما فيهم أعضاء المجلس أنفسهم أن فلاناً ممثل ولاية كذا حتى غدا كل أعضاء المجلس ممثلين بعضهم يجسد أدواراً بطولية والكثير منهم يقومون بدور "كومبارس".

وترددت صيحات أخرى تتعلق بالمرأة وملخص تلك الصيحات ضرورة وجود امرأة في مجلس الشورى من أجل أنتمثل النساء وقد قلت في كثير من حواراتي أن المرأة لا تمثل المرأة ولا الرجل يمثل الرجل بل هو برلماني معني بالتشريع ولا يعنينا إن كان رجلاً أو امرأة كما لا يعنينا من أي ولاية أتى كل ما يعنينا هو قدرته على إنجاز ما أوكل إليه من مهمات بإتقان وإخلاص وأمانة لذلك لا أرى مبررًا لفكرة "الكوتة" التي يرفع البعض شعارها رغبة في تطعيم المجلس بعناصر نسائية فالمجلس التشريعي ينبغى أن يؤسس على المعرفة والقدرة والكفاءة وليس على الذكورة والأنوثة والمحافظاتية والقبلية وغيرها وهذا ما ينبغي أن يراعى في اشتراطات المترشح لعضوية المجلس فالشروط الحالية عامة لا تستطيع أن تفرز لنا عضوا فاعلا يمارس مهاماً تشريعية ورقابية ووجود أكفاء في المجلس كلعبة اليانصيب تعتمد على ضربة الحظ فترة تصيب وفترة تخيب لعدم وجود رؤية واضحة لنوعية الكفاءات التي نريدها في المجلس.

وعلى الرغم من أنّ المجلس قد أعطي صلاحيات رقابية مع صلاحياته التشريعية من باب توسعة أدوار المجلس وهو أمر محمود إلا أن الإجراءات التي بموجبها يتم اختيار عضو مجلس الشورى توحي بخلاف ذلك، فوفقاً لتك الإجراءات المتبعة لا يجد المواطن أدنى فرق بين عضو مجلس الشورى ذي الصلاحيات التشريعية والرقابية وبين عضو المجلس البلدي ذي الصلاحيات الخدمية فكلاهما ممثل لولايته وكلاهما فاز عبر الانتخاب بعضهم بأساليب شرعية والبعض الآخر بأساليب ملتوية وكلاهما يقدمان خدمات للمواطنين وهذا الخلط في ذهن المواطن ناتج عن عدم وضوح الهدف والإجراءات.

ومما لا شك فيه أن السلطة التنفيذية تعد أقدم السلطات الثلاث خلال العقود الأربعة الماضية وهي تتمتع بجذور أعمق من السلطتين الأخريين وكانت تمارس صلاحيات السلطتين وما زالت تمارس بعضاً من تلك الصلاحياتكما هو في وزارة الشؤون القانونية ووزارة العدل لذلك نستطيع أن نفهم ذلك الصراع بنوعيه الضمني والظاهر بين السلطات الثلاث ونتيجة لذلك التداخل في الأدوار يشعر مجلس الشورى بعجزه عن ممارسة صلاحياته كما يجب، وما نشاهده من نشاطات للمجلس في الفترة السابعة لا نستطيع إرجاعه لقوة المجلس ذاته وإنما لجهود بعض النشطاء من أعضاء المجلس الذينتميزوا بنقاشاتهم الساخنة، تلك النقاشات التي فتحت مساحة واسعة لظهور أصوات فردية تحظى باهتمام المشاهد والمستمع وترفع من أسهم أصحابها الذين قد يتحولون إلى أبطال وطنيين حتى يسدل الستار عليهم بعد انتهاء مدتهم ثم يأتي آخرون ليمارسوا الأدوار نفسها ليعيش المواطن المشاهد نفسها مع اختلاف الممثلين.

إذاً نحن بحاجة إلى قراء ملف مجلس الشورى وفق منظومة متكاملة لأن المجلس جزء من تلك المنظومة وأي قراءة خارج منظومته ستكون قراءة ناقصة، لذلك ينبغي علينا قراءته من خلال تلك المنظومة المتكاملة حتى نستطيع الإجابة عن التساؤلات؛ماذا، ولماذا، ومتى، وكيف؟ تلك الأسئلة التي لم نزل نبحث لها عن إجابة.

**أكاديمي تربوي

تعليق عبر الفيس بوك