صناعة الإرهاب

حاتم الطائي

ما الذي يجعل شاباً في العشرين من العمر يلبس حزاماً ناسفاً، ويتوجّه إلى مسجد ويقتل المصلين؟ من الذي زرع الفكر التكفيري في ذهنه حتى أصبح يُكفّر الآخرين - عدا طائفته - الموعودة وحدها بالجنة حتى ولو على أشلاء مسلمين آخرين؟

أي جنون هذا.. وأي فكر، وأي دين ذلك الذي يبيح تحويل بيوت الله الآمنة إلى مذابح دامية يروح ضحيتها رُكَّع وسُجَّد؟

أي أفكار ظلامية تلك التي تعشعش في أذهان هؤلاء التكفيريين، لتخولهم قطع رؤوس الناس، وتمزيق أجساد البشر حتى وإن كانوا يدينون بالإسلام ويشهدون ألا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله؟

من أين جاء كل هؤلاء.. ومن أي مرجعيّة يستقون تعاليمهم التي لم يظهر لنا منها سوى الذبح والفتك والحرق والقتل..؟

إرهابيّون - لا ينتمون إلى الإسلام في شيء- يعيثون في البلاد العربية، خرابًا ودمارًا في هجمة ظلامية يدفع ثمنها الجميع.

لابد من وقفة جادة لدراسة هذه الظاهرة المُدمرة، وتتبع أسبابها الداخلية والخارجية التي تساهم في إنتاج سموم الكراهية، وتأجيج نيران الفتن، وهل هذه الهجمة الظلاميّة ترتبط بسيناريو التقسيم الذي تصرّح به دوائر المخابرات الغربية من حين إلى آخر.. ومن أين جاء مصطلح "الإسلام الجهادي" وهو غير موجود في الفقه الإسلامي أصلا؟ ومن المستفيد من هؤلاء التكفيريين ومن يغذيهم بالمال والسلاح؟.

أسئلة عديدة تفرض نفسها في سياق الحديث عن ظاهرة الإرهاب.. لقد أصبح الإرهاب صناعة بمعنى الكلمة، فهناك قنوات فضائية وإذاعية ودعاة للفتنة تحت عباءة الدين، ومواقع إلكترونية وكتب وإصدارات تصرف عليها مئات الملايين وتنطلي على الأبرياء والسذج من الشباب دون أن يعوا أنّ هناك أصابع خفية للشر تديرهم لمآرب استعمارية ولعبة دولية خارج مستوى تفكيرهم ووعيهم.

تبث هذه القنوات ثقافة الكراهية والتعصب والتطرف وتزينها لهم، وتوهمهم بأنّها الطريق الأقرب إلى الله، متناسين الآية الكريمة "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" فالاسلام في أصله وجوهره دين الرحمة والسلام والتعايش والحضارة، وليس دين القتل على المذهب والهويّة.. ولأن ظاهرة التطرف الإسلامي في جانب منها تُعد قضيّة سياسية وليست دينية حيث يتم استغلال الدين لأهداف سياسية، لذا فإن الغرب ليس بعيد عن شبهة الإسهام في صناعتها واستغلالها لخدمة مصالحه ومن أهمها إضعاف الدول العربية والإسلامية.. وهنا نستحضر دور التدخل الاستعماري الغربي في المنطقة وآثاره المدمرة منذ اتفاقية "سايكس بيكو" وحتى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 والذي لولاه لما ظهرت داعش وغيرها من حركات أصوليّة إرهابيّة.

ومن المعلوم أنّ المستشار الأمريكي زبيجنيو بريجنسكي هو أول من وضع الأسس النظرية لإمكانية استخدام التطرف الإسلامي في مواجهة الاتحاد السوفيتي في منتصف السبعينيات، وذلك في كتابه الشهير "أمريكا بين عالمين" وهو الذي عمل مستشارًا للأمن القومي الأمريكي للرئيس كارتر "1977-1981" ويعد مهندس النفير الجهادي إلى أفغانستان ومحاربة التيار اليساري من بوابة الإسلام الجهادي. فطبقاً لبريجنسكي يجب إعداد وتوجيه الأصوليات الدينية للصدام مع الشيوعية والاشتراكية لحماية المصالح الاستراتيجية للاستعمار الغربي، وتحولت أمريكا من الدفاع إلى الهجوم باستغلال الأصولية الإسلامية من وراء الكواليس ليتحقق لها الانتصار على العدو التقليدي الاتحاد السوفيتي؛ بفضل توظيف إستراتيجية الإسلام الجهادي.. وليس من المستغرب أن يستدعي باراك أوباما سيد البيت الأبيض الحالي، بريجنسكي للاستفادة من خبراته ونظرياته في استغلال الجهاديين ضمن الاستراتيجية الأمريكية.

وما يحدث اليوم في العراق وسوريا هو استنساخ لتجربة الجهاد في أفغانستان ودعم تنظيم داعش ليقوم بدور مدروس في سيناريو تقسيم العراق وسوريا وليبيا واليمن إلى دويلات متناحرة لكي تتواصل الهيمنة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وتطل لإسرائيل اليد الطولى في المنطقة، وأيضًا حتى يظهر العنف الإسرائيلي وتنكيل الاحتلال بالفلسطينيين، أكثر رحمة مقارنة بما يقوم به التكفيريون بحق المسلمين الآخرين، وبما يصور الدين الإسلامي على أنّه دين الإرهاب والعنف والتطرف وحب سفك الدماء.

إنّ معالجة ظاهرة الإرهاب الآخذة في التمدد، تتطلب مواجهة حاسمة لاقتلاعها من جذورها عبر تفكيك منابع التكفير واحدة تلو الأخرى ومنع القنوات والمواقع التي تروج للطائفية البغيضة والعصبية المقيتة والتي قال عنها الرسول "دعوها فإنّها مُنتنة".. كما أنّه لابد من التركيز على بث البديل الحضاري المتمثل في مشروع تنويري مستمد من روح الإسلام وقيمه الخالدة ومنها ثقافة المواطنة والتسامح والتنوير والانفتاح على الآخر. وتلك لعمري مهمة المثقفين والكتاب والإعلاميين والمعلمين الذين يعول عليهم في صياغة مشروع المستقبل بثقة وجدارة ووعي.

تعليق عبر الفيس بوك