"إعدام مرسي".. يضع القاهرة في مرمى الانتقادات الحقوقية

لم يكن مستبعدًا منذ إحالة الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي إلى الجنايات بتهم تتعلق بقتل متظاهرين وتخابر مع دول أجنبية واقتحام سجون بُعيد انتفاضة يناير، أن يصدر بحقه حكم بالإعدام أو السجن المشدد في أيٍّ منها؛ وعلى الرغم من أن مقارنة بين حدثين في زمنين متقاربين (محاكمة القرن لمبارك) و(محاكمة المعزول مرسي) تفتح الأبواب مجددًا أمام تساؤلات عدة حول استقلالية القضاء المصري، إلا أن الأخطر في الوقت الراهن وفي بلد بدأ يستفيق (نوعا ما) من كبوة ما بعد 11 فبراير 2011، يكمُن في سيناريوهات المستقبل القريب حال تنفيذ الحكم فعليًّا على الرئيس الأسبق وكبار قياديي جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من أن البعض يرى في حكم محكمة الجنايات "حكم أولي"، يمكن الطعن عليه أمام درجات التقاضي الأعلى أمام محكمة النقض -بحسب ما ينص عليه القانون المصري- إلا أن القضية التي كانت معروفة إعلاميًّا بـ"عرب الشركس" أعادت محكمة النقض النظر فيها بعد 48 ساعة فقط من إعدام المتهمين الستة؛ لتدور التساؤلات مرة أخرى في دائرة مفرغة لتعود إلى مربط الفرس وهو: "استقلالية القضاء".

الرُّؤية - هيثم صلاح

 

 

وأيًّا ما يكون الجواب، يظل الشارع المصري متقربا ثالوثا من السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة القريبة المقبلة، فإما أن ينزع الإخوان "بُرقع" السلمية صراحة (وهو ما بدا في تصريحات البعض بُعيد النطق بالحكم أمس) ويواصلون التصعيد أمام أجهزة الدولة والنظام الحاكم الحالي في مصر، أو أن تلتزم الجماعة الصمت (وهو أخطر السيناروهات) وتخطط في الخفاء لما تسترد به مكانتها وما سُلب منها، وآخر تلك السيناريوهات أن تتراجع الجماعة عن موقفها المناهض لمصر ما بعد 3 يوليو 2013، وهو سيناريو مستبعد إذ لا يُتقع أن تقبل الجماعة بـ"مصالحة" بلون الدم.. ليبقى سيناريو العنف هو الأوفر حظا، في بلد لا يزال يحبو على طريق الاستقرار بعد 4 سنوات ويزيد من الفوضى التي أتت على مقدرات الدولة.

ويخشى كثيرون داخل مصر وخارجها من أن يشعل إعدام مرسي موجة واسعة من الاضطرابات تضرب البلاد لمدة طويلة، خاصة في ظلِّ تزايد الهجمات المسلحة التي تعكس اقتناعا متعاظما لدى شرائح عديدة من المصريين أن العنف أصبح الرد المناسب على ظلم النظام.

ويقول مراقبون إنَّ إعدام مرسي قد يدفع بالعديد من أعضاء الإخوان والمتعاطفين معهم إلى الانضمام إلى جماعات جهادية مثل تنظيم الدولة.. وفي أقوى رد لها حتى الآن، حذرت جماعة الإخوان المسلمين من أن العالم كله سيدفع الثمن إذا تم إعدام مرسي.

وحتى الآن، يحرص النظام المصري على الاحتفاظ بقيادات الإخوان المعتقلين لأطول وقت ممكن، ليكونوا بمثابة ورقة رابحة للتفاوض عليها لإنهاء المعارضة المستمرة لثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق محمد مرسي.

وتضمنت كافة المبادرات ومحاولات التصالح بين الإخوان والنظام الحاكم في مصر بندا رئيسيا يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين، وعلى رأسهم قيادات الجماعة والرئيس مرسي، مع قيود إضافية حول دورهم في المشهد السياسي مستقبلا.. إلا أن معارضي النظام الحالي يعولون على مواقف دولية، متمنيين أن يتمكن هذا الرفض من إيقاف إعدام مرسي.

وفي أول رد له، وصف مسؤول بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، إن أحكام الإعدام التي صدرت بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، وقيادات إخوانية بالـ"مسيسة وغير العادلة".. مطالباً بإعادة المحاكمة في القضيتين المعروفتين إعلامياً بـ"التخابر الكبرى" و"اقتحام السجون".

وقال نديم الخوري الذي يشغل منصب نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة الدولية إن هذه الأحكام كانت مبنية بأكملها على شهادات رجال أمن، ولم يكن هناك أي أدلة فيما يخص المسؤولية الفردية والشخصية والذي هو مبدأ أساسي لأي محاكمة.

فيما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو: " ننتظر رد فعل الدول الغربية تجاه ما يجري في مصر"، في معرض تعليقه على حكمي المؤبد والإعدام بحق الرئيس المعزول محمد مرسي، فضلا عن الإعدام لعدد من قيادات جماعة الإخوان. وأوضح أوغلو "إنه وقت الامتحان، بالنسبة للدول الغربية، سنرى ماذا سيكون رد فعلها، حيال سير أحد أهم رموز حركة سياسية لم تلجأ للعنف أبدًا، على درب الإعدام، كما أن المنادين بالديمقراطية والحريات في تركيا، هل سيرفعون صوتهم يا ترى؟ أمّا نحن فضميرنا حي وسجلنا مشرّف".

 

ردود فعل

وكالة الأنباء العالمية "رويترز"، وصفت الحكم بإعدام الرئيس المعزول محمد مرسي بأنه بمثابة انهيار للمشروع الإسلامي الذي حلم به الإخوان المسلمين لمصر منذ سنوات، على حد قولها. وعلقت قائلة: "جماعة الإخوان المسلمين قدموا محمد مرسي للرئاسة منذ ثلاث أعوام لتحقيق نهضة مصرية اعتمادًا على الشريعة الإسلامية، إلا أن فشل المشروع بدأ مع عزله عام 2013 من قبل قائد الجيش وقتها الفريق عبد الفتاح السيسي".

وعبدالفتاح السيسي -بحسب الوكالة- قدم نفسه في صورة منقذ المصريين، مما اعتبرته "إرهابا" لجماعة الإخوان، وكذلك، في صورة الساعي للاستقرار، مما مكنه من الوصول للحكم بعد عام على عزل مرسي.. واعتبرت أن الإخوان المسلمين لم يكن يدور في مخيلتهم تولي مقاليد الحكم في عام 2011 ، كما أن قرار ترشحهم للرئاسة لم يكن مقبولًا من قطاعات كبيرة من الشعب والنخبة السياسية - وفقا لرويترز.

وخلال فترة حكم مرسي انتشرت العديد من الشائعات -والكلام للوكالة- أبرزها ادعاءات سعيه لبيع جزء من سيناء لحركة حماس الفلسطينية، مما ساعد على الإطاحة به سريعًا وإنهاء اعتصام أنصاره بالقوة، والذي أسفر عن مقتل المئات في ميدان رابعة العدوية واعتقال أبرز قيادات الجماعة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن جماعة الإخوان المسلمين -بحسب رويترز- لا تزال تسعى لاستعادة السلطة من جديد وذلك عن طريق تنظيم احتجاجات صغيرة خوفًا من الإعتقال خاصة في الوقت الذي يرى بعض المحللين الغربيين أن تنفيذ أحكام الإعدام محفوفًا بالمخاطر مما يشير إلى احتمالية تغيير الحكم في وقت لاحق خاصة أن إعدام قيادات الإخوان قد يحولهم لأبطال مما يحفز أعضاء الجماعة خارج السجون لاستعادة أنشطتهم.. وأنهت الوكالة تقريرها بالحديث عن أن الجماعة حاليًا تواجه انشقاقات داخل أعضائها مما يثير المخاوف بانقسام بعض الشباب ولجوئهم لحمل السلاح مثلما يحدث في سيناء في الوقت الحالي وقتل للعديد من رجال الجيش والشرطة.

وقالت صحيفة "الجارديان" إن قرار محكمة جنايات القاهرة إعدام محمد مرسي في القضية المعروفة باقتحام السجون إنما يؤكد "انعكاس مسار المد السياسي في مصر منذ ثورة 2011". وكتبت الصحفية: "لقد احتُجز مرسي دون اتهامات خلال الأيام الأولى من ثورة 2011، وهرب من سجن نادي النطرون بعد أن جرى اقتحامه، ولم يواجه أي عواقب قانونية لمغادرة السجن، سواء قبل أو أثناء فترة رئاسته".

أما صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فكتبت في تقرير سابق لها في مايو الماضي، أن إحالة أوراق الرئيس السابق محمد مرسي وعدد من قيادات الإخوان إلى المفتي هي أحدث علامة على خريب ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق محمد حسني مبارك.

وبخلاف الرئيس المعزول، ضمت قائمة المحكوم عليهم بالإعدام المرشد العام للجماعة محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر ورئيس البرلمان "المنحل" محمد سعد الكتاتني، والسيدة الشابة سندس عاصم، وبالمؤبد والسجن المشدد لعدد آخر من رجال نظام مرسي، وذلك في قضيتي التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس واقتحام والهروب من سجن وادي النطرون إبان ثورة 25 يناير 2011 المصرية.

تعليق عبر الفيس بوك