رسائل رمضانية (1)

عيسى الرواحي

فرحة غامرة وسعادة بالغة وقلوب سعيدة ونفوس مبتهجة وأجواء إيمانية رائعة يعيشها المسلمون وهم ينتظرون حلول سيد الشهور والأيام شهر رمضان المبارك شهر الرحمات والبركات شهر العطف والعطايا والمنح والهبات شهر الجود والسخاء والمكرمات شهر التوبة والإنابة وتكفير السيئات شهر مداومة الأعمال ومضاعفة الحسنات شهر الصبر والبذل والعطاء والنفحات شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر القلوب السليمة والأفئدة الطاهرة شهر الاعتكاف والدعاء والتذلل للواحد الديان شهر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فالحمد لله على هذه النعمة العظمى والمنة الكبرى، وكل عام والمسلمون يرفلون في ثياب العزة والإيمان، سائلين الله تعالى أن يوفقنا إلى استقباله ولقياه بحفاوة تليق بجلال قدره وسمو منزلته وعظم شأنه، وأن يرزقنا صيامه حق الصيام، وقيامه حق القيام، وأن يرزقنا التوبة النصوح والمغفرة والرضوان، ويكتب لنا فيه دخول الجنان من باب الريان، وأن يحفظ عمان وسائر الأوطان من الشرور والفتن والمحن ودروب الشقاء والتعاسة والخسران، ولنا عبر ثنايا جريدتنا الغراء رسائل رمضانية إيمانية يذكر وينصح بها الكاتب نفسه أولا وأهله وإخوانه المسلمين ثانيا، فلعل الله يكتب لنا في ذلك الأجر والمثوبة، وأن تجد من يأخذ بها؛ لنكسب مضاعفة الثواب والعطاء، وهي كالآتي:

الرسالة الأولى: ونحن على أبواب هذا الشهر الفضيل المبارك ولسنا ندري إن كنا نصل إليه أم لا؛ لنتذكر أهلا وإخوة وأحبة وأصدقاء وزملاء وجيران كانوا بيننا في رمضان الماضي، وها هم اليوم قد ودعونا وتركونا إلى حياة الخلود بعد حياة الفناء وإلى حياة الجزاء بعد حياة العمل، وقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقا ، وما كانوا يدرون أنهم يقضون آخر رمضان لهم، ولا كنا نحن ندري كذلك أنهم سيفارقوننا، ولكنها سنة الله في خلقه، وحكمه النافذ، وأجله المحتوم، وقضاؤه المرسوم في اللوح المحفوظ، ونحن إذ نتذكرهم لنسأل الله تعالى أن يرحمهم برحمته الواسعة، ويشملهم بعفوه وغفرانه إنه سميع مجيب.

ولنا في هذه الذكرى عبرة وعظة، فلنحمد الله أن أمد في أعمارنا وهيأنا لاستقبال هذا الشهر الفضيل، ونحن نرفل في ثياب الصحة والعافية، فلنجتهد قبل الرحيل، ولنحسن استقبال شهرنا الفضيل، ونستغل جميع أيامه ولياليه، ونعمرها بالطاعات وصنوف القربات، فلسنا ندري أنلقاه ثانية أم لا، فرب صائم له هذا العام يكون آخر عهده به، ويتمنى المرء حينها أن يرجع إلى الدنيا لحظة ليعمل صالحا يرضاه.

الرسالة الثانية: ونحن نتهيأ لاستقبال هذا الشهر الفضيل المبارك، لا يزال المسجد الأقصى الشريف وما حوله من البقاع التي باركها الله، تئن تحت رزحة الاحتلال الصهيوني الغاشم، وهناك من بلاد المسلمين صارت دمارا وخرابا حيث المسلمون يسفكون دماء بعضهم البعض، ويخربون بيوتهم بأيديهم، ويهلكون الحرث والنسل، وحيث القتل والجوع والدمار والخراب والتشريد لم يرحم طفلا ولا امرأة ولا شيخا ولا شجرا ولا حجرا؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون!

ولنا في ذلك عظات وعبر ودروس وفوائد ..

أولها أن نحمد الله تعالى حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه حمدًا يصدقه القول والعمل على نعمة الأمن التي حبا الله بها وطننا العزيز، فبالشكر تدوم النعم، وكفرها طريق زوالها، يقول الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد}[إبراهيم:7] وأن ندعو الله أن يحفظ هذا الوطن آمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا من كل مكان، ولنحذر أشد الحذر أن نسعى إلى أي فتنة تكدر الصفو وتثير الشحناء والبغضاء وتخلق الفوضى، فالوطن أمانة في أعناق الجميع، كما علينا أن نحذر من الشماتة والسخرية بما حل بالأوطان الأخرى، فالله عزيز ذو انتقام، وواجبنا باعتبارنا مسلمين أن ندعو الله ليلاً ونهاراً أن يحرر الأقصى من قبضة اليهود، وأن يرد لجميع بلدان المسلمين أمنها وأمانها وسلمها واطمئنانها.

الرسالة الثالثة: إن الإنسان وهو يعيش معترك الحياة وكفاحها، لتواجهه صعاب وتحديات وعقبات، قد ينازع فيها قريباً، ويخاصم فيها زميلاً، ويهجر فيها أخاً، وقد يصل به الحال إلى أن يقطع فيها رحماً، والمرء بطبيعته معرض للخطأ والتقصير والوقوع في الزلل، فكل ابن آدم خطَّاء، ولا كمال إلا لله، ومن هنا وجب إن كان لأي أحد منّا خصومات وعداوات وضغائن وأحقاد مع أيّ أحد من إخوانه المسلمين قريباً أم بعيداً أن ينهيها، وأن يبادر إلى تصفية قلبه تجاه من أملى له الشيطان عداوته وخصومته، ولنتذكر أن خيرنا من بدأ بالسلام، وبادر بالصفح والعفو، ولنتذكر أن الله لا يرفع عمل المتخاصمينِ حتى يصطلحا، ولنتذكر بأن صاحب القلب السليم هو الذي ينجو يوم القيامة، يقول الله تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُون* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}[الشعراء:88-89] وليس قلباً سليماً من حمل حقداً على أخيه، أو خاصم جاره أو قريبه، أو عادى زميله وابن بلده، أو قطع رحمه، وليس للمسلم من عدو إلا الشيطان الرجيم، وكل من عادى الله ورسوله، فمن أراد رحمة الله ومغفرته ورضوانه في رمضان وسائر الأوقات؛ فليستقبل رمضان بقلب سليم تجاه جميع إخوانه المسلمين.

الرسالة الرابعة: ومن شروط استقبال رمضان الكريم التوبة من الذنوب والمعاصي، يقول الله تعالى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم}[المائدة:74] ورمضان فرصة ثمينة للتخلص من الآثام والذنوب، وفرصة للتوبة للنصوح، بل التوبة واجبة على كل مذنب ومصر على المعاصي، وما قيمة صيام الصائم إن لم يتب من ذنوبه ومعاصيه؟! وما قيمة الأعمال الصالحة من مصر على الكبائر والآثام فقبولها من المتقين فقط لا غير؟! يقول الله تعالى: {... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}[المائدة:27] بل التوبة يؤمر بها حتى المؤمن التقي النقي، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[التحريم:8] ومن مات ولم يتب فقد خسر خسرانا مبينا، وسيندم حين لا ينفع الندم، فلنبادر بالتوبة قبل فوات الأوان، ولنبادر بالتوبة؛ لنحسن استقبال رمضان، ولنبادر بالتوبة؛ لنربح مغفرة الرحمن ورضوانه ودخول جناته بمنه وفضله ورحمته وإحسانه.







تعليق عبر الفيس بوك