"أشوبا " .. وتجليات الروح العمانية

انقشعت العاصفةُ "أشوبا" بعد أن أقلقتنا جميعاً على مدار السَّاعة خلال الأسبوع الماضي، خشيةً مما تُخبئه من كوارث، وما تحتملُه من خسائر مادية وبشرية.. كانت لحظات عصيبة لصعوبة التنبؤ بمسار هذه العاصفة والتي حيَّرت خبراء الأرصاد إزاء تقلباتها المُثيرة ..

الآن وقد رحلت "أشوبا " نستطيع أن نتنفس الصعداء، وأن نحمد الله أن حفظ عمان من تداعيات هذه الحالة المدارية، كما آن لنا أن نقول بصوتٍ عالٍ"شكراً لكم يا أبناء عُمان فقد وقفتم صفاً واحداً في مواجهة الطوفان".

لقد بلغت درجة الجاهزية ذروتها من مختلف القطاعات كلٌ حسب اختصاصه وموقِعه، الطبيب والشرطي والجندي فريق واحد يعمل ليلا ونهارا حتى تلاشت "أشوبا" وعادت الأمور إلى طبيعتها.

وحُق لنا أن نَفخر بأنّه لم تُكن هناك خسائر بشرية - ولأول مرة في هكذا أنواء - حيث إنّه وبخلاف المُعتاد لم تسجل أية حالة وفاة جراء العاصفة، ويعزى هذا في جانب كبير منه إلى تنامي الوعي، وإلى الجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل جميع الجهات المختصة في إخلاء المناطق التي تقع على خط تأثير العاصفة، وفي الوقت المناسب.

نستطيع القول، إن "أشوبا" أسهمت في تدعيم فلسفة "النبض الواحد" ورص الصفوف بين العمانيين في مختلف المحافظات لتُعيد لنا دورسًا وعِبر تعلمناها منذ أيام "جونو" وغيرها من أزمات مرّت علينا.. وفي كل هذه الأوقات العصيبة تبدى المعدن الأصيل للعمانيين في التَّحلي بروح بالمسؤولية والتَّعاون والتكافل والتكامل، مما كان له بالغ الأثر في تجاوز بلادنا لعاصفة أشوبا بسلام وبالحد الأدنى من الخسائر المادية. ولا ننسى الدور المُهم الذي قام به الإعلام العُماني بمختلف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية، لنقل الصورة بكل شفافية ودقة عن مسار العاصفة وبالتواصل المُباشر مع مركز الأرصاد الجوية والذي اضطلع الخبراء فيه بدور ريادي في متابعة مسار العاصفة، وملاحقتها عبر إصدار بيانات مُتجددة تتابع الحالة الجوية بتقلباتها المثيرة ودورانها حول مركزها بشكل لولبي والمؤثرات التي تؤثر عليها مثل سرعة الرياح ودرجات الضغط الجوي والرطوبة وغيرها من مصطلحات أصبحت مألوفة لدى المتلقي العُماني.. الذي أضحى الآن قادرًا

وبدرجةٍ عاليةٍ على الإلمام بالمصطلحات ذات الصلة بالأنواء المناخية ومفرداتها من إعصارٍ مداري بدرجاته المختلفة، إلى عاصفة مدارية، إلى منخفضٍ جوي.

وبذلت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون جهوداً جبارةً في تعاطيها مع الحدث باستقاء المعلومات من المُختصين والخبراء على مدار الساعة، الأمر الذي أسهم في الحد من الشائعات بشكل كبير.. وانتقلت بنا الكاميرا في نقل مُباشر إلى قريات ورأس الحد ومصيرة في متابعة حيَّة لتأثيرات الإعصار حتى في ظل أصعب الظروف التي مرَّت بها المناطق المُتأثرة بالعواصف والأمطار..

واجتهدت الصحف اليومية في تغطية هذا الحدث بكل مصداقية وشفافية بعيداً عن التهويل والإثارة، وقد وفقت في ذلك كثيرًا وبصورة تضاف لرصيد التناول المهني لصحافتنا المحلية .. ولم يكن مواكبة تحركات العاصفة بالأمر الهين إعلامياً كما قد يبدو، خاصة وأننا نواجه عدواً يفاجئنا كل مرة بتغيير اتجاهاته فمرة ينطلق شمالاً ليعاود الالتفاف إلى الجنوب الغربي مصحوباً ببحيرات من السُّحب الركامية الثقيلة حيث شهدت جزيرة مصيرة أكبر كمية من الأمطار بلغت 204 ملم.

انسحبت "أشوبا"، مخلفةً بعض الأضرار في طريقها، إلا أنها - والأهم من ذلك - ولدت ملحمة وطنية من التكافل والتآزر بين مختلف فئات وقطاعات المجتمع..

ملحمة جسدها الإنسان العُماني لتعكس عُمق اللحمة الوطنية والعزيمة والثقة في القدرات اللامحدودة على العطاء.. ملحمة أضافها العُمانيون لسجلهم الحافل بالإنجاز وعلى مرأى من العالم.

تعليق عبر الفيس بوك