انتخابات حاسمة اليوم ترسم ملامح "تركيا الجديدة".. و"العدالة والتنمية" يأمل أغلبية لـ"قلب نظام الحكم"

اسطنبول- الرؤية- الأناضول

تنطلق اليوم في تركيا انتخابات تشريعية حاسمة قد ترسم ملامح ما تسمى بـ"تركيا الجديدة"، فيما يأمل حزب العدالة والتنمية الحاكم تحقيق أغلبية تمكّنه من "قلب نظام الحكم" الذي يعتمد على الصبغة البرلمانية، لتتحول الدولة إلى نظام رئاسي يحقق أحلام أردوغان في تأسيس "نظام الرئيس" والسعي بخطى حثيثة نحو استعادة "أمجاد الأمبراطورية العثمانية"، فيما تكتفي المعارضة بوعود انتخابية تتضمن الأوضاع الداخلية والأزمة السورية بشكل رئيسي.

وتفتح مراكز الاقتراع في تركيا أبوابها في الثامنة من صباح اليوم أمام 53 مليونا و765 ألفا و231 ناخبا، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي يتنافس فيها 20 حزبا، في مقدمتهم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري، في ظل تقديرات بتصدر الحزب الحاكم لنتائج هذه الانتخابات.

ومن المتوقع أن تحتدم المنافسة بين الأحزاب الثلاثة الممثلة في البرلمان الحالي، وهم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية المعارضَين، فيما يسعى حزب الشعوب الديمقراطي (غالبية أعضائه من الأكراد) إلى تجاوز الحاجز الانتخابي.

ويلحظ المتابع لتفاصيل المعركة الانتخابية في تركيا أنّ محاور حملة حزب "العدالة والتنمية" الانتخابية تركّزت في مواصلة السير على درب "تركيا الجديدة"، ومسيرة النهضة الاقتصادية والإصلاحات في سبيل تعزيز الديمقراطية، ويسعى الحزب للفوز بـ400 مقعد من إجمالي 507 مقعدًا (بنسبة تتجاوز الـ75 بالمائة) تحت قبة البرلمان لضمان الأغلبيّة والانفراد بتشكيل الحكومة مجددًا.

ويدخل الحزب الحاكم الانتخابات برصيد واسع من الإنجازات الاقتصادية التي يأتي في مقدمتها؛ سداد الديون المستحقة على صندوق النقد الدولي، وزيادة متوسط دخل الفرد والاستثمارات الأجنبية، إلى جانب الطفرة التي شهدتها تركيا في مجال البنية التحتية، من خلال عدد من المشاريع الضخمة في مجال النقل كقطار مرمراي الذي يربط طرفي اسطنبول (الآسيوي والأوروبي)، ويمر تحت قاع البحر في مضيق البوسفور، ومشروع المطار الثالث في المدينة وهو قيد الإنجاز.

وكشف أحمد داود أغلو، رئيس الوزراء التركي، ورئيس حزب العدالة والتنمية، قبل أيام أن حزبه سيتجه لتطبيق خطة عمل عاجلة، عقب الانتخابات حال فوزهم، ستكون فيها الأولوية للعمل على صياغة دستور جديد، والمضي قدمًا في مسيرة السلام الداخلي (الرامية لإنهاء الإرهاب، وإيجاد حل جذري للمسألة الكردية)، وتحقيق الوفاق المجتمعي.

وأضاف داود أوغلو، خلال مشاركته في برنامج على قناة محلية، أن الخطة تشمل إصلاحات بنيوية في المجال الاقتصادي، وتوفير فرص عمل، وتلبية مطالب الشرائح الاجتماعية المختلفة، وإقرار قانون الشفافية، وإعادة هيكلة الأجهزة الإدارية "المترهلة والمتضررة من تغلغل "الكيان الموازي" (الاسم الذي تطلقه الحكومة على جماعة فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية) ووضع مخططات لإعادة تأهيل المدن وتطويرها". ولم يخلُ البرنامج الانتخابي للعدالة والتنمية من التأكيد على عزم الحزب السعي لفك الارتباط بالخارج، فيما يتعلق بالصناعات الدفاعية وخلق صناعة عسكرية محلية، وذلك في إطار الأهداف التي يرمي لتحقيقها بحلول الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية عام 2023 والتي من المتوقع أن ترتقي بتركيا إلى مصاف الدول العشر الأولى اقتصاديا على مستوى العالم.

من جانبها؛ وجدت المعارضة التركية في التركيز على ملفات مكافحة الفقر والحد من البطالة وتحسين أوضاع العمال والتعامل مع ملف اللاجئين السوريين أفضل الأوراق الانتخابية التي يمكن أن تلعب عليها ضد الحكومة.

ومن بين الوعود التي كررها كمال قليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، أبرز أحزاب المعارضة، خلال حملته الانتخابية، رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1500 ليرة تركية، (حوالي 560 دولار) حيث يبلغ الحد الأدنى حاليا حوالي 450 دولار.

وبرز ملف اللاجئين السوريين بقوة في الحملة الانتخابية لحزب الشعب الجمهوري، حيث تعهد قليجدار أوغلو "بإعادة السوريين إلى بلادهم في أجواء من السلام"، وقال في حديثه لقناة محلية: "سنحقق السلام مع سوريا، وسنعيد مليوني سوري (لاجئون) إلى بلادهم، الحكومة تتناول جزءًا من الكلام وتتغاضى عن الجزء الآخر (تحقيق السلام)، وتقول إن قليجدار أوغلو سيعيد السوريين، بالتأكيد نحن لا نرسل الناس إلى أتون الحرب".

وشكل الملف الاقتصادي أحد أهم محاور الحملة الانتخابية لحزب "الحركة القومية" المعارض، فضلًا عن وعوده بـ"اجتثات الارهاب والنزعات الانفصالية (في إشارة إلى الانفصاليين الأكراد)، وجعل تركيا قوة عالمية".

ومن بين الوعود التي قدمها زعيم الحزب "دولت باهجة لي" رفع الحد الأدنى من الأجور، والاعتراف الرسمي بـ"بيوت الجمع" (دور عبادة العلويين)، كي تأخذ دعمًا من الدولة على غرار المساجد، إضافة إلى الحد من التباين في توزيع الدخل الذي "ازداد في عهد حكومة العدالة والتنمية" على حد زعمه.

أمّا حزب الشعوب الديمقراطي (غالبية أعضائه من الأكراد) فيسعى إلى كسر الصورة النمطية للحزب لدى أوساط مختلفة في الشارع التركي، من خلال تأكيده على الانفتاح على مختلف شرائح المجتمع في كافة الولايات.

ويمثل تجاوز الحاجز الانتخابي (10% من أصوات الناخبين على مستوى تركيا) أبرز التحديات أمام الحزب، لاسيما أن نسبة الأصوات التي حصل عليها زعيم الحزب صلاح الدين دميرطاش لم تتعد 9.76% من أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة التركية، التي شهدتها البلاد العام الماضي.

وتعهد دميرطاش في خطاباته، بالغاء الحاجز الإنتخابي حال وصول حزبه السلطة، لافتا أن الحاجز يشكل مشكلة لبعض الأحزب الأخرى (خصوصًا الأحزاب الصغيرة)، كما وعد بضمان السلام والأخوة في البلاد، وتغيير دستور 1982 (الذي وضعه العسكر عقب انقلاب 1980).

وأكّد دميرطاش أنّهم سيعملون من أجل تحقيق سلام دائم بمقتضى مسيرة السلام الداخلي المتواصلة (التي ترعاها الحكومة، والرامية لإنهاء الإرهاب وإيجاد حل جذري للمسألة الكردية).

ويواجه الحزب اتهامات من الحكومة بممارسة ضغوط على الأكراد غير الموالين له، إلا أنّ دميرطاش نفى هذه الاتهامات.

وكان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، صرح في وقت سابق أن منظمة "بي كا كا" الإرهابية، تقف وراء حزب الشعوب الديمقراطي، معتبرا أن الصوت الممنوح لهذا الحزب، إنما يعد صوتا لـ "بي كا كا".

كما انتقد داود أوغلو في خطابه بولاية ديار بكر نهاية الشهر المنصرم، زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، قائلًا: "هل يستطيع دميرطاش أن يأتي إلى هنا ويقول كفاكم اتركوا سلاحكم؟ (في إشارة إلى مسلحي منظمة بي كا كا الإرهابية)"، مضيفًا: "أنا أعارض العنف والإرهاب بجميع أشكاله أيًا كان فاعله، لذا حكومتنا مسؤولة عن أي اعتداء يستهدف إخواننا الأكراد".

تعليق عبر الفيس بوك