المشهد الانتخابي.. والوعي الديمقراطي

حاتم الطائي

نعيشُ حالياً في خضم أجواء التحضير لانتخابات مجلس الشورى في دورته الثامنة..

ورغم أنّ المُجتمع تعوَّد الدخول إلى هذه الأجواء لاحقاً وقبيل عملية التصويت مباشرة، إلا أنّ الجهات المعنية بالإعداد للانتخابات تعمل حالياً ليلاً ونهاراً لإنجاز هذا الاستحقاق الديمقراطي في وقته، وبصورة تُضاف إلى الرصيد الكبير الذي حققته هذه الجهات في إدارة العملية الانتخابية.. نحو أربعة أشهر تفصلنا عن إجراء عملية التصويت لاختيار المُرشحين لمجلس الشورى في دورته الثامنة، والتي يتطلع الجميع إلى أن تكون دورةً نوعيةً لجهة الأعضاء المُنتخبين من ذوي الخبرة والكفاءة، وكذلك لأهمية الموضوعات التي ستناقش تحت قبة الشورى في سياق مُتصلٍ مع مداولات المجلس في دورتهِ السابعةِ الحاليةِ والتي اتسمت بشمولية الأُطروحات وتشعب المُوضوعات المطروحةِ على المجلسِ اتِّساقاً مع التوجه السامي بزيادة صلاحياته الرقابية والتشريعية بما يُعزز المسيرة الشُّورية في بلادنا لخدمة مصالح الوطن وإيصال صوت المواطن إلى صانعي القرار..

إنّ الوقفةَ التقييميةَ المنصفةَ لتجربة انتخابات الشورى في السلطنة، تُمكننا من استنتاج جملة نتائج، سنُحاول التطرَّق إليها بإيجاز من خلال عدة محاور.. أولها أنَّ التوجه العام في السلطنة نحو دولة المُؤسسات، وإرساءِ دعائمِ الشُّورى، يدفع باتّجاه تجويد العملية الانتخابية وتفعيل المجلس ليقُوم بأدوارٍ مقدرةٍ على الصعيدين الرقابي والتَّشريعي، ويُعد هذا عاملاً رئيسياً في تحقيق غاياتِ انتخاباتِ مجلس الشورى، وينبغي أن يُمثّل دافعاً حيوياً لإنجاح العملية الانتخابية في كافة مراحلها ابتداءً من مرحلة التسجيل في السجل الانتخابي وصولاً إلى مُمارسة حق التَّصويت..

وثاني هذه المحاور، ما نلمسَه جميعاً من مساعٍ مقدرةٍ في سبيلِ إنجاح الانتخابات وإتمام إجرائها بسلاسة وإتقانٍ.. وفي هذا الصدد تقوم اللجانُ المختصةُ من اللجنة العليا للانتخابات واللجنة الرئيسية واللجنة الإعلامية ومكاتب الولاة بجهود حثيثة لإنجاز المهام المنوطة بها وفق قانون انتخابات مجلس الشُّورى ولائحته التنفيذية، حتى تتم العملية على الوجهِ الأكملِ.. وهنا، تتوجب الإشارةُ إلى جهودِ وزارة الداخليةِ المُتصلةِ لتطوير والارتقاء بوسائل التّسجيل والانتخاب، حيث كان للسلطنةِ قصب السبق في التصويت الإلكتروني، هذا فضلاً عن التسهيلات التقنية العديدة المتاحة لطرفي العملية الانتخابية من المُرشحين والنَّاخبين، وهو أمرٌ ينعكس على سُهولة كافة العملياتِ الإجرائيةِ للانتخاباتِ من تسجيلٍ وتصويتٍ وفرزٍ وحتى مرحلة إعلان الفائزين..

وثالث المحاور التي أود التطرق إليها في هذا المقام، الوعي الانتخابي، وهو جانبٌ يُعاني قصوراً ويحتاج إلى المزيد من قوة الدفع والتنشيط حتى ينهض بدوره كاملاً على صعيد المُمارسة الديمقراطية الراشدة.

وينعكس الوعي الانتخابي على كافة مراحل العملية الانتخابية ابتداء من المُبادرة إلى التسجيل في السجل الانتخابي بما يكفل توسيع قاعدة المُشاركة الشَّعبية في الانتخابات لتكون نتائجها مُعبراً حقيقياً عن صوت المواطن.

كما ينعكس الوعي الانتخابي في الإقبال على التصويت باعتباره واجباً وحقاً في آن واحد.. فهو واجب لأنّ المُمارسة الديمقراطية تتطلب المشاركة في اختيار ممثلي الشَّعب بمجلس الشورى، وفي ذات الوقت هو حق ينبغي عدم التفريط في مُمارسته.. ومن الوعي الانتخابي كذلك، التصويت لبرنامج المرشح بعيداً عن الاعتبارات القبلية والمناطقية، بما يضمن وصول الكفاءات إلى المجلس وبالتالي تحقيق مصلحة الوطن والناخب..

ورابع هذه المحاور يتعلّق بالمُرشح لانتخابات الشُّورى، حيث إنّ المُمارسة الديمقراطية المسؤولة تُحتم عليه الالتزام بقانون ولائحة الانتخابات، والنَّأي بنفسه عن أيَّة ممارساتٍ غير سليمةٍ تشوه صورة الانتخابات، وتُلحق الضررَ بالممارسةِ الديمقراطيةِ.. وهذا بالتأكيد يدخل في صميم الوعي الانتخابي..

كما أنّه وبعد الفوز، يُنتظر من عضو المجلسِ الالتزامَ بما طرحه في برنامجه الانتخابي على أن يكون ذلك متناغماً مع السياسات العامة للدولة، ومتسقاً مع المواضيع الكُلية المطروحة أمام المجلس، بما يظهر انحياز العضو لقضايا الوطن ككل ويُدلل بالتالي على وعيه ونضجِه السياسي..

وثمَّة أمرٌ أخير، أودُ التطرق إليه قبل أن اختتم هذا المقال، وهو يتعلّق بتواجد المرأة في مجلس الشورى، حيث إنّ تمثيلها الحالي في المجلس لا يرقى إلى ما وصلت إليه المرأة العُمانية، وما حققته من إنجازاتٍ بمختلف المجالات، وهنا لابد من تعزيز الوعي الانتخابي بالدور الذي يُمكن أن تُسهم به العمانية من داخل المجلس في مُناقشة قضايا المُجتمع والإسهام فيها برؤى بنَّاءة..

مما سبق، أخلص إلى أنّ الانتخابات المُقبلة لأعضاء مجلس الشُّورى ستكون مفصلية فيما يتعلّق بنوعية المُرشحين الذين سيحوزون ثقة الناخبين لتمثيلهم في المجلس للسنوات الأربع المقبلة، وأهمية التصويت لذوي الكفاءة القادرين على التَّعبير عن آمال وتطلعات المرحلة القادمة.

تعليق عبر الفيس بوك