سحر الواقعية في الفن الروائي يستهوي القرَّاء.. و"التواصل الاجتماعي" عزز فرص الاطلاع بين الشباب

◄ الصقرية: الرواية توصيف أدبي للمجتمع.. يخترق شغاف القلب ويناسب كل الفئات

◄ الحجري: الفن الروائي حافل بالأساليب والصور التركيبية التي تجذب القارئ

◄ المطرفية: تنامي إقبال الشباب على الرواية نتيجة تأثرهم الخيال المتقد فيها

اختلفَ عددٌ من الشباب والمهتمِّين بالشأن الثقافي العُماني، حول الدور الذي يمكن أن تضطلع به الرواية كفن أدبي في الارتقاء بالمستوى الثقافي للفرد؛ وبالتالي النهوض بالفكر المجتمعي المحيط به.. إلا أنَّهم اتفقوا على أنَّ الفن الروائي يعطي صورة حية وواقعية للمجتمع؛ ليراه القارئ من نظرة أقرب ومن زوايا مختلفة، باعتبارها ليست مجرد فكرة وشخوص وأزمة.. وإنما حالة أدبية تتأثر وتؤثر في الواقع.

وربطوا بين الإقبال الكبير الذي باتت تحظى به الرواية خلال الفترة الأخيرة، بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في الترويج والتداول والانتشار للعديد من الأعمال؛ مما خلق لدى القارئ ما أسموه حالة "الفضول المعرفي"، فيلجأ القارئ لإشباع نهمه بقراءة الرواية دون سواها تأثرًا بكم الخيال المتقد فيها، سيما وأنَّ كتَّابها غالبا ما يعمدون إلى بعثرة الأساليب بأسلوب يجتذب القارئ ويجعله يتوق لمعرفة ما سيحدث.

مسقط - ثريا العميريَّة

وتقول هدى الصقرية: إنَّ التوجُّه لقراءة الروايات بشكل أكبر ينطوي على عدة أسباب؛ منها: العناوين المشوقة والأغلفة المزينة للروايات والتي تجذب القارئ بشكل ملحوظ، فضلا عن الجذب الإعلامي؛ وذلك من خلال الكاتب نفسه عندما يتواجد في مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدأ بالتحدث عن كتابه لاسيما إذا كان له متابعون كُثر.

وعن الفن الروائي، تقول الصقرية: الرواية هي وصف للمجتمع، تتحدث عن الناس والحياة كشيء واقعي؛ فهي أقرب للقلب وأيضا تناسب فئات عدة، إضافة إلى أنَّه من السهل جدا أن تحمل معك رواية لتقرأها وأنت في الانتظار أو في السيارة أو أينما كنت. أما الكتاب، فقد يكون ذا محتوى دسم يحتاج إلى جلوس طويل وهادئ.

ولفت عبدالرحمن الحجري صاحب فكرة "مقهى الضاد" على تويتر -وهو مشروع يعرض فيه المغرد كتابًا قرأه وأعجبه- قائلا: يفضل الكثيرون قراءة الروايات لأسباب مختلفة؛ أهمها أنَّها تحقق أهدافًا عدة في وقت واحد؛ حيث تُوصل الرسالة القيمة بأسلوب جميل وقالب قصصي يشد القارئ ويجذب انتباهه، عوضا عن تلك الكتب المباشرة التي تأتي مملة بطابعها التقليدي التلقيني القديم، وهو السبب ذاته الذي جعل من القرآن الكريم مثلا حافلا بالقصص المعبرة؛ فالفطرة البشرية تميل إليها أكثر، كذلك فإن الرواية تأتي حافلة بالأساليب اللغوية والصور التركيبية والارتفاع والانخفاض في حيثياتها مما تجعل القارئ منغمسا كليًّا فيها.

أما خلود الزيدية، فتقول السبب الأساسي هو وفرة الروايات وتنوعها وكثرة كُتابها وأسلوبهم المشوق والواضح لمختلف مستويات القراء، بعكس الكتب الأخرى؛ حيث إنَّ القراءة في مجال محدد بطريقة تفصيلية تجعل من الكتاب مملًا لدرجة تركه وعدم إكمال قراءته، وسبب آخر هو أن الروايات تجمع في كتاب واحد القصة والمعلومات والفلسفة والحقائق، وهذا ما يجعل التوجه كبيرا للروايات، خاصة للشباب في الوقت الحالي.

وتعلق خوله الربخية بقولها: الروايات لها لغة سهلة تصل بسلاسة وتجذب القراء ويجدوها ممتعة، وهناك أيضا توجه من بعض الشباب الذين يرغبون في أن يصبحوا من ضمن فئة المثقفين يتجهوا للروايات كونها أسهل الطرق، وكذلك تعتبر الروايات من أفضل الطرق للترغيب في القراءة وحبها، ومن ثم التوجه للأنواع الأخرى من الكتب.

وأما تهاني المطرفية، فترى أنَّ عزوف الفئة الشبابية عن القراءة في المجالات المتنوعة وتركيزهم على الروايات وما في نمطها في هذه الآونة ما هو إلا محاكاة وتأثر بعضهم البعض وتأثرهم بكم الخيال المتقد في هذه الروايات؛ حيث إنَّ كتابها غالبا ما يعمدون إلى بعثرة أساليب جذب عدة أبرزها تسلسل الأحداث بأسلوب يجذب القارئ ويجعله يتوق لمعرفة ما سيحدث، فضلا عمَّا يشهده عالمنا الحالي من واقع يقترب جدا مما هو موجود في الروايات، ومن هذا وذاك ساد التوجه الشبابي لقراءة الروايات بهذا الشكل الكثيف نوعا ما.

مبيعات الروايات

ويقول خليفة الهنائي أحد أصحاب المكتبات: إنَّ أكثر مبيعات المكتبة هي الروايات، والتي يشتريها غالبا فئة الشباب من الذكور والإناث، وما يقارب 70% من أرباح المكتبة تأتي من بيع الروايات، وفي نقاشي مع بعض زبائني أتوقع أن الأسباب التي تدفعهم لشراء الروايات هو قراءتهم في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن هذه الروايات ومدى جمال أسلوبها وحبكتها، وبعضهم يقرأ هذه الروايات بسبب توصية أصدقائه أو من يتابعهم في مواقع التواصل الاجتماعي بقراءة رواية ما أو القراءة لكاتب معين.

بينما يقول صاحب مكتبة إلكترونية (فضل عدم نشر اسمه): "لا أخفي عليك بأنَّ الأرباح التي أجنيها هي من بيع الروايات التي تلاقي إقبال متزايد كل يوم، يكاد لا يمر يوم واحد لا أتلقى فيه طلب لروايتين على الأقل، وأنا أيضا من قرَّاء الروايات والأسباب التي تدفعنا لقراءة الروايات متعددة وتختلف، ومن وجهة نظري أولا بسبب شهرة الرواية أو الكاتب وكثرة الترويج لها سواء من دار النشر أو الكاتب أو حتى من الأفراد اللذين قرأوها، فعندما نسمع كثيرا عن رواية ما أو نرى اقتباسات وصور لغلاف الرواية كثيرا يتردد على نواظرنا نجتهد على قراءة هذه الرواية بشكل أو بآخر، وأيضا بسبب الأسلوب السهل والجذاب في كتابة هذه الروايات بعيدا عن الأسلوب المعقد المتبع في الكتب الأخرى.

للرواية فوائدها

ويرى محمد الكلباني أن البعض قد يعارض بأن للروايات أثرا كبيرا على من يقرأها، وهذا ما أننقده في هؤلاء الأشخاص أحاديي النظرة، أنا أرى أن للروايات آثار متعددة، أولا كم المعلومات الجديدة المتنوعة التي تضاف لذهن القارئ من خلال قراءته لرواية واحده وهذه المعلومات في مجالات مختلفة وليست في مجال واحد، إضافة إلى المتعة التي يحصل عليها القارئ من خلال تتبعه للأحداث في الرواية والحوارات المختلفة بين شخصياتها، كما أنَّ الروايات طريق لترغيب الناس لقراءة الكتب بشكل عام، كما أن للروايات أثرا في تنمية مَلَكَة التعبير وتحسين أسلوب الكتابة والتحدث والتحاور، ولا نغفل عن زيادة حصيلة القارئ من الكلمات الفصيحة وإثراء الحصيلة اللغوية لديه، أيضا من آثر قراءة الروايات لدى قراءها أنها تنمي وتثري الخيال لديهم ولا يخفى علينا ما للخيال من دور في تحصيل واستيعاب المعرفة، كما أنَّ الروايات قد توجه اتجاهاتنا نحو مواضيع ومواقف حياتيه بشكل أفضل.

أما هدى الصقرية فتقول، "يقول داود الجابري في إحدى تغريداته "من يعتبر الروايات للإثارة والتسلية وأنها مجرد سلسلة أحداث، فمن الأفضل أن لا يقرأها لأنه لا يعرف معنى الرواية"؛ وبالفعل إنَّ الرواية قد تحوي من المعلومات ما لا تحويه الكتب وتكون المعلومة أثبت وأبسط ثم إنها قد تساعدك في التعامل مع حياتك الاجتماعية، وعلى النظر لمختلف الظروف والحياوات والطبقات التي يعيشها الناس وعلى السفر عبر صفحاتها إلى مدن ودول لم تراها يوماً ولكنك تشعر كما لو أنك تعرفها وهي سفر في العقول والأفكار نحو مختلف البشر... إنها تعطيك صورة حية وواقعية للمجتمع، لتراه من نظرة أقرب ومن زوايا مختلفة وتعرفك على وجهات نظر الآخرين حول الحادثة وكيفية التعامل معها، إنَّ الرواية أكثر من مجرد فكرة وشخوص وزمان.. إنها تعطيك الخبرة التي لم تعطك إياها الحياة.

وعلق عبدالرحمن الحجري عن آثار قراءة الروايات: لا شك أن الرواية وعاء أدبي كبير يتسع لمجالات عدة؛ فهناك الرواية الدينية والتاريخية والسياسية والبوليسية ورواية المغامرات...وغيرها؛ فالراوي قبل البداية في كتابة تحفته الأدبية يكون ملما بخلفيات روايته كلها وبيئتها.. فإذن إضافة للقيم الأخلاقية التي توصلها الرواية، هناك العوالم الجميلة التي تتعرف عليها في تلك البيئات، من أحداث وأمكنة وشخصيات ورموز كلها توسع من مداركك بكل تأكيد.

أما فهد المنذري -مدرس لغة عربية، ماجستير في النقد الأدبي- فيقول: شخصيا اقرأها للتسلية والبحث عن المخبوء بين ثنايا أحداثها المتدفقة، أما عن الآثر فيمكن القول بأنه لا يوجد جنس أدبي مهما كان نوعه إلا وأثره واضح على قارئه وقد يمتد ذلك الأثر إلى السلوك والمبادئ فتنحرف أو تستقيم".

ويستدرك فهد المنذري حول كفاية الروايات لزيادة مستوى الثقافة: "قراءة الروايات ليست كافية لزيادة مستوى الثقافة لدى القراء الرواية عرض أحداث غالبا ما تكون خيالية، فلا فضل لها في توسيع مجالات المعرفة الثقافية لدى القارئ، إلا أن تكون رواية تكتنز بالإسقاطات الواقعية، وفي جميع الأحوال تسهم الرواية في سبك اللغة وتحفيز العقل المفكر وتقوية أدوات التعبير الإبداعي نوعا ما".

فيما ترى سلمى الكلبانية أن الروايات بالفعل تضيف شيئا لمخزون الثقافة لدى قارئها، إلا أنها لا تقوم وحدها بزيادة ورفع مستوى الثقافة لدى الفرد، فمصادر الثقافة عبارة عن مركب تكتسبها من عناصر كثيرة وأحدها الروايات، فلباقي أنواع الكتب دور أيضا كبير في رفع المستوى الثقافي، إضافة للواقع والبيئة المحيطة والمدرسة والجامعة والتليفزيون وغيرة من وسائل الإعلام لها دور في زيادة المستوى الثقافي لدى الفرد".

أما محمد الكلباني، فيقول: للروايات أثر على المجتمع لاسيما في الوقت الحالي، فقراء الزمن الحاضر أصبحوا أكثر إطلاعا ووعيا وتفكيرا، وإذا ما انغرس وتكرر سلوك معين أمام نواظرهم وعقولهم سيمارسونه لا شك في ذلك، كما أنَّ البعض من القراء يعجب بشخصية ما في الرواية التي يقرأها فيعمل على محاكاتها في أسلوب الكلام والتعامل والتفكير وهذا ينعكس على من حوله إذا ما رأوا من حسن في تغير ذلك القارئ بسبب ما قرأه في رواية ما فيعملون على محاكاته هو أيضا مما يجعل ذلك الآثر ينتشر ويترسخ بين أفراد ذلك المجتمع".

تعليق عبر الفيس بوك