"خناجر الخيانة".. عندما يكون الطلاق وسيلة لـ"قتل" الحب

رصدت التجربة- مدرين المكتومية

هي (ب.ع) لم تزل في نهاية العشرينيات من عمرها، تزوجت وعمرها لم يتجاوز 18 ربيعاً، بعد علاقة "حب" ربطتها مع رجل "من النظرة الأولى"، إلا أنّ خناجر الخيانة دفعتها لـ"قتل" هذا الحب وإن كان ذلك من خلال الطلاق..

تبدأ (ب.ع) حديثها بسرد اللقاء الأول لها مع طليقها، وذلك عندما التقيا قدرًا في مناسبة اجتماعية ببيت إحدى صديقاتها، ودب إحساس بالحب في قلب كليهما في بداية الأمر، وما لبث أن تحول إلى تعارف واتصالات هاتفية، حتى في مرحلة سفره للخارج، لم تنقطع هذه الاتصالات، إلى أن تقدم لخطبتها وتزوجا، لتنتقل للعيش معه في خارج عُمان، وتبدأ هي رحلة المعاناة التي انتهت بالطلاق...

فبعد الانتقال للعيش مع زوجها أنجبت المولود الأول وتلاه الطفل الثاني، وحتى قدوم الطفل الثاني كانت علاقتها به مستقرة، بل ولم تصل إلى مرحلة الشقاق والهجر.. وخلال هذه السنوات أنهى الزوج- آنذاك- دراسته في الخارج وعادت الأسرة للعيش في عمان مجددا.

وتقول: نظرًا لأن طليقي كان ينتمي إلى عائلة ثرية، فلم يكن مضطرا للعيش خارج منزل الأسرة الضخم، الذي يسع لأن يسكن فيه الإخوة جميعهم مع زوجاتهم بشكل شبه منفصل، وبالفعل مكثوا سوياً في هذا المنزل الكبير لمدة قاربت الأربع سنوات، ولم تشهد العلاقة بينهما أي اضطرابات إلا فيما ندر، وكانت جلها مشادات بسيطة على مشكلات الحياة اليومية، التي غالباً ما تقع بين الأزاوج.

وتضيف: لكن بعد مرور فترة من الوقت، نما إلى علمي أنه متعدد العلاقات النسائية والغرامية، بل بلغ الأمر أن المقربين له يتحدثون صراحة عن هذه العلاقات، لكني تحليت بالتعقل في بداية الأمر وأقنعت نفسي بألا أنصت لمثل هذه الأمور التي قد تهدد حياتنا..

بيد أنّ القدر شاء أن تدرك (ب.ع) حقيقة الأمر، وتقف على أرض صلبة من هذه الشكوك التي تحيط بها وكادت أن تعصف بها في أنفاق المجهول، فاطلعت ذات مرة على هاتفه الجوال، فوجدت محادثات غرامية وتفاصيل مكالمات مع أرقام بأسماء نساء، ولاحظت عليه أنه يتحدث لأوقات طويلة في الهاتف في أوقات متأخرة من الليل، خارج غرفة النوم، أو في السيارة، فضلاً عن السهر.

وتوضح أنها لم تفكر في بداية الأمر بالطلاق، وتحلت بالصبر وقررت أن تصارحه في جلسة خاصة بما تشك وتظن فيه، وبالفعل كان لها ما أرادت، إلا أن الزوج في هذا الموقف رفض الحديث بل نهرها صارخًا في وجهها: "أنت مجنونة"، ونفى بالكلية أن تكون ثمة نساء في حياته أو أنه متعدد العلاقات وغيرها من الظنون التي عصرت قلب الزوجة.

وتزيد أن الأمر تحول في هذه المناقشة إلى إهانات مبطنة، واتهامات بالخلل النفسي، وطلب منها ألا تناقشه في مثل هذه المسائل مجددًا.

(ب.ع) لم تقف عند هذا الحد، ولم تغرب الظنون عن مخيلتها، بل زاد الألم في نفسها، وعانت أشد المعاناة مع كل لحظة تمر بها وهي تعلم علم اليقين أن زوجها "خائن" للرباط المقدس بينهما، إلى أن قررت ألا تهتم به ولا تعيره أي انتباه.. وتقول: "فعلاً بدأت لا أهتم بشؤونه ولا بتواجده في المنزل من عدمه، بل لا أكترث حتى بإعداد طعامه، ونفذت هذه الخطة بإيعاذ من صديقاتي، لكن الأمر لم يفلح حيث تحولت العلاقة إلى ما يشبه علاقة الغرباء في مكان واحد، إذ وفرت له هذه الطريقة الراحة بشكل أكبر، فأخذ يخرج ويتحدث عبر الهاتف لساعات طويلة دون أي خشية مني، إلى أن بلغ الأمر مبلغه".

وتزيد: بعدما اتسعت الهوة بيننا، فاجأني ذات يوم بأنّه يريد الزواج من أخرى، بل وتمادى في ذلك بأن طلب مني أن أذهب معه لخطبتها، حتى إنني شعرت بأنّ ثمة جبل سقط فوق رأسي ومزقني إربا، وشُل لساني عن النطق، وامتنع عقلي عن التفكير أو مواجهة جرأته بل وقاحته في سؤالي ذلك الأمر.

وتتابع: لم أرد على ما أخبرني به، بل هرعت إلى غرفتي وهممت بحزم حقائبي وحقائب أبنائي، وفي الصباح ذهبت إلى بيت أسرتي التي- على نقيض مما توقعت- رفضوا موقفي هذا وألقوا باللوم عليّ، لتركي منزل الزوجية والقدوم إليهم، دون أدنى تفكير في مصيري ومدى الظلم التي اتعرض له ليل نهار.

وبعد الذهاب إلى منزل الأسرة، عانت (ب.ع) أشد المعاناة، فقد مرت عليها الليالي الأولى من مكوثها في بيت أبيها كسنوات عجاف، أخذت تستعيد ذكرياتها معه في مشهد أقرب إلى "الفلاش باك" في السينما، ومرت حياتها منذ أن التقت به كشريط سينمائي يسير بسرعة كالبرق، لكنه في كل ثانية يقطع أوصالها من داخلها.

تقافزت الأسئلة أمامها: هل هذا حقاً هو الرجل الذي أحببته؟ هل هو نفسه الشاب الوسيم الذي أبدى حباً منقطع النظير لينال رضاكِ؟ ألم نكن يوماً زوجين يسعدان بحياتيهما مرتبطين برباط مقدس؟! وغيرها من الأسئلة الحائرة التي لم تجد إجابة تشفي صدرها المكلوم.

مرت الأيام واحداً تلو الآخر، تنتظر عودته، تتحين الفرصة لسماع طرق الباب عله يكون هو، لكن هيهات هيهات.. لم يفلح ظنها في أنه سيعود إليها طالبا الصفح والعفو، بل إنّ الأمر بدا وكأنه رغبة عميقة وتحققت، وخلال شهر كامل منذ تركها المنزل، لم يسأل عنها ولم يتواصل معها، واكتفى فقط بإرسال مبلغ من المال لتغطية نفقات الأطفال.

وبعد ذلك، أدركت (ب.ع) أن الرجل الذي وهبته حبها وأنجبت منه الأطفال، لا يفكر فيها ولا ينوي العودة إليها، بل إنه سعد بهذا الانفصال، حتى يفعل ما يشاء بعدها.

الزواج من أخرى

وتمضي (ب.ع) في رواية مأساتها، فقالت: بعد مرور شهر من رحيلي علمت بنبأ زواجه من فتاة كنت على علاقة صداقة معها، وأنه أقام لها حفل زفاف كبير، وسافر معها لقضاء شهر العسل في عدد من الدول.. كانت هذه الأخبار بمثابة خناجر خيانة تطعنها واحد تلو الآخر، لتقرر وهي تنزف من ألم الفراق، أن تتخلى عن أيّ مشاعر تكنها له، ودربت نفسها على أن تعتاد على فراقه وتكتفي بالمبلغ الذي يرسله لها ولأطفالها.

بيد أن مشكلة (ب.ع) لم تنتهِ عند هذا الحد بالرضا بالقضاء والقدر، إذ بدأت الأسرة في التذمر من وجودها ووجود أطفالها معها، لتقرر آنذاك أن تستقل بأولادها وتذهب لتستأجر شقة صغيرة تجمعها بأبنائها دون سخط من أحد أو تضرر من آخر.

صعوبات الحياة بدأت تؤرق (ب.ع)، فما لبثت أن بحثت عن عمل، كي تواصل مهمتها في تربية الأبناء الذين يدفعون كل لحظة ثمن نزوات أبيهم، ويعيشون كالأيتام بدون أب، إلا قليلا.

مر الوقت كالبرق، والتحقت بوظيفة تمكنها من الإنفاق على أولادها وتغطية نفقات البيت، فكانت هي العائل لأولادها بعدما تخلى الأب عن التزاماته الأبوية، واكتفى بحفنة من الريالات توفر مستلزمات المعيشة لكنها بكل تأكيد لم توفر مشاعر الأبوة الغائبة.

وبعد مرور عامين من هذه المسيرة، علمت (ب.ع) أن طليقها قد انفصل عن المرأة التي تزوج منها، فلم تكتم حينها مشاعر فرحتها بأن طليقها قد يعود إليها، وطرقت مشاعر الحنين باب قلبها، وخالط ذلك شعور بالرضا وكأن القدر انتقم لها..

وتروي (ب.ع) أنّه بعدما طلق المرأة الأخرى، عاد إليها كما توقعت، وطلب العودة إلى كنف الزوجية المشترك، إلا أنها أبت وأصرت على رفضها، إذ شعرت بمدى التفكير النفعي الذي يسير عليه هذا الرجل، فهي التي لم تتخل عنه لحظة قرر هو أن يتركها فريسة وحيدة لأطماع المجتمع، تواجه صعوبات الحياة بمفردها وتقف في وجه الريح بلا سند أو رفيق درب.

قطعت (ب.ع) على نفسها عهدًا بألا تعود إليه مرة أخرى، وأن تكرس حياتها لتربية الأبناء الذين يمثلون الأولوية القصوى لها، وأخمدت نار مشاعرها التواقة له، فلم تنس حتى اللحظة مواقف الإهانة والضرب والمعاملة السيئة، وتحويل حياتها إلى كابوس مزعج مليء بالأحداث التي لا تتحملها، وكل ذلك لأنها ذات يوم اقتنعت بأن الحب كفيل بإصلاح الأحوال.

تجلس (ب.ع) الآن في منزلها الصغير مع أولادها وتحلم بأن يحظوا بمستقبل أفضل مما حصلت عليه، رافضة كل عروض الزواج التي تأتيها، حارمة قلبها من متعة الحب وخوض مغامرات عاطفية أخرى، ربما تقلب حياتها مجددا رأساً على عقب...

تعليق عبر الفيس بوك