خرافات علميّة

أسماء القطيبي

في مجتمعاتنا لا يكتفي الناس بتوارث الصفات الجينية، بل يتوارثون المعتقدات والطباع، وحتى المعلومات العلمية بغض النظر عن صحتها. وعلى الأغلب فإنّ كل واحد منا لديه كم كبير من المعلومات الطبية حول فائدة أطعمة معينة ومضار أخرى واستخدامات الأعشاب، ومعلومات أخرى حول الظواهر الكونية وأسباب حدوثها، سمعها من كبار السن منذ أن كان صغيرًا، واكتسبت مصداقيتها من تكرارها وشيوعها بين الناس. ولأنّها شائعة فإننا نسلم بها ما لم يثبت لنا عكس ذلك، ولعلّ ذلك بسبب عدم الحاجة الملحة للتفاسير العلمية لأنّ معرفتنا بها لا تؤثر مباشرة على ممارساتنا اليومية، لذا فإنّ البعض يعدها نوعًا من الرفاهية الفكرية. الأمر الآخر أن بعض التفسيرات العلمية تستخدم مصطلحات معقدة فتبدو كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء، مما يجعل العلوم التطبيقية كالفيزياء والكيمياء علومًا غامضة لا يفهمها إلا من تخصص فيها وسبر أغوارها.

إننا لا نملك مراكزعلمية تهتم بالإجابة عن أسئلة غير المتخصصين حول صحة المعلومات العلميّة التي سمعوها أو قرأوها، على غرار المراكز الدينية التي تجيب عن أسئلة الناس. ومن الصعب أن نقترح إنشاء مثل هذه المراكز لأنّ مكان المختصين المختبرات وليس المكاتب، وهم قلة نحتاجهم حاجتنا للمطر لما نعانيه من جفاف فكري ومعرفي، لكن بالإمكان الاستعانة ببدائل أخرى متاحة مثل الكتب والمجلات العلمية والدوريات. الشبكة العنكبوتية بإمكانها أيضًا أن تقوم بهذه المهمة، بشرط أن يبحث الشخص في المواقع العلميّة الموثوقة التي تقدم موسوعات ميسرة ورسوم توضيحية وشروحات. أمّا البحث العشوائي فإنّه سيؤدي إلى مزيد من التفسيرات غير الدقيقة، وزيادة الحصيلة من المعتقدات العلميّة المغلوطة.

الطب النبوي أحد الأمثلة على تداخل الموروث الديني- الذي يعد جزءًا من هوية الشعوب- بأحد العلوم التطبيقية وهو الطب، ويقصد بالطب النبوي هي تلك العلاجات التي كان يقترحها النبي لأصحابه وأهله حين كانت تصيبهم توعكات معينة، مثل الحجامة والكي وبعض الأعشاب، وهي علاجات شائعة في ذلك الزمن، ولم يقدم النبي من خلالها نفسه كطبيب بدليل أنّه كان ينصح الصحابة بمراجعة المختصين كما فعل مع سعد بن أبي وقاص حيث أشار إليه بأن يراجع طبيبًا عربيًا كان قد تعلم الطب في بلاد فارس، وفي الحقيقة يتملكني الاستغراب وأنا أرى حماسة البعض لاقتناء كتب "الطب النبوي" بدءًا من كتاب ابن القيم الجوزية، الذي يعد أول كتاب يتناول هذا الجانب، إلى كتب أخرى تزيد بها دور النشر أرباحها. فمجموعة المرويات النبوية حول العلاج -إذا سلمنا بصحتها- صالحة لزمن معين في ظروف معينة ونمط عيش مختلف تمامًا عمّا نعيشه. وتلك الكتب منذ صدورها لم تحقق ما يأمله مصدقوها منها بدليل أنه لا يمكننا أن نستغني عن المستشفيات وأدويتها المتطورة في هذا الزمن، رغم وجود طب آخر يمتلك جانب روحانيًا وصبغة مقدسة، بالإضافة لقدرته العجيبة والسريعة على شفاء المرضى، ووقاية الأصحاء من الأذى الذي تسببه بعض الحشرات الضارة وسم الثعابين.

المؤسسات التعليمية يجب أن تغرس في الطلاب أنّ التجارب المختبريّة هي الوسيلة الأمثل لاختبار صحّة المعلومات العلميّة، وأنّ أي معلومة علمية لا يمكن إثباتها إلا بشروط علميّة صارمة على يد مختصين مهما كانت شائعة ومعروفة. فهم الطلاب لهذا الأمر يجعلهم أكثر تقديرًا للعلم، وأكثر تحرزًا في قبول الخرافات المتداولة ما لم تستند لأصول علمية صحيحة. كما يجب أن تضطلع المؤسسة الثقافية بدورها في فضح ونقد الكتب التي تستغل الجانب الديني عند الناس مثل كتب الطب النبوي، وكتب الإعجاز الديني التي تهذب النصوص الدينية تارة في خدمة العلم، وتقتطع المعلومات العلمية تارة أخرى في خدمة النصوص لجعلهما يسيران في خطين متوازيين.

إن كنا نعذر الأجيال السابقة على تداولها للخرافات العلمية بسبب عدم وجود المصادر المناسبة للتأكد منها فإننا لا نجد عذرًا للأجيال الشابة ذات الغالبية المتعلمة، فمسؤوليتها تكمن في التحري والإطلاع، في عدم نقل مثل هذه الخرافات للأجيال الجديدة بل حثهم على البحث والتجربة والسؤال، عن طريق تشجيعهم على الإلتحاق بالدورات العلمية التي تقام في الصيف، أو القيام بتجارب علمية مصغرة في المنزل للحصول على بعض الاستنتاجات، وهو أضعف الإيمان في عالم يتسابق للاكتشافات والاختراعات والتطور الحثيث.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك