العمالة الأجنبية المتزايدة والحلول المنتظرة

عبد الله بن علي العليان

قبل عدة سنوات كان الباحثون والمهتمون بقضية العمالة الوافدة في منطقة الخليج، يثنون على جهود السلطنة في خططها لتحديد مسألة العمالة الوافدة، وتشجيع العمالة الوطنية لسوق العمل، واعتبروا أنّ السلطنة أكثر دول المنطقة، من حيث قلة أعداد العمالة الأجنبية، بالمقارنة بعدد السكان العمانيين، وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بهذه القضية، من جهات الاختصاص، وأهمية توظيف العمالة الوطنية في القطاعات المختلفة في العامين الماضيين، إلا أننا فوجئنا ببعض الإحصائيات في العام المنصرم بأنّ العمالة الأجنبية في السلطنة، تكاد تقترب من عدد السكان! وهذا الأمر له الكثير من المخاطر المتعددة في المستقبل على بلادنا، صحيح أنّ العمالة الوافدة نحتاجها، عندما تقتضي حركة التنمية ذلك، ووفق تخصصات معينة، لكن الإشكالية أن بعض العمالة المتواجدة في العديد من محافظات السلطنة، أصبحت سائبة، وأغلبها لا يحتاجه سوق العمل العماني، وأعتقد أنّ وزارة القوى العاملة تعرف ذلك، وهذا الأمر سيكون له الكثير من المشكلات، لو بقيت هذه العمالة سائبة وبلا عمل محدد، أو كما تسمى العمالة المستترة، وبعضها بلا عمل! ففي محافظة ظفار على سبيل المثال، نرى أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة منتشرة بشكل كبير في ولاية صلالة، وهذا الأمر له مخاطره الكثيرة، وعلى جهات الاختصاص ألا تنتظر حدوث مشكلات حتى تتخذ إجراءات للتقليل من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية،حتى السياسية، وعليها التحرك لاتخاذ ما ينهي العمالة التي تزيد عن الحاجة الملحة لحركة التنمية، أو التي تنافس العمالة الوطنية.

فقبل عقد وأكثر، عندما كنّا نقرأ الكتابات والدراسات عن مخاطر العمالة الوافدة في منطقة الخليج، كانت هذه الدراسات والأبحاث، تستثني السلطنة من هذه المشكلة المتفاقمة في بعض دول المنطقة، كما أشرت آنفًا، الآن نحن بدأنا نقترب من هذه المشكلة ، أو أننا أصبحنا نتخطى الرقم الذي يعتبر كبيرا بالقياس إلى السنوات السابقة، وأصبحنا نقترب من بعض دول المنطقة في كثرة العمالة الوافدة، خاصة وأنّ هذا الرقم ـ في بعض الإحصائيات ـ يقترب من 42% بالنسبة لعدد المواطنين العمانيين، وهذه نسبة كبيرة جدا، سواء في مجال المنافسة، أو في مجال الأضرار الأخرى التي يعرفها أهل الاختصاص، وهذا لا يعني أننا ضد العمالة الأجنبية، بل نحن نريد الحاجة الفعلية التي لا تجعل المواطنين لا يجدون وظائف في وطنهم، في وجود عمالة كبيرة في بلادنا، وهذه مشكلة لابد من النظر إليها، من الجوانب المختلفة، وقبل فترة كنت بمطار مسقط، ومكثت بالمطار لفترة قبل سفري إلى خارج السلطنة، فلاحظت عددا كبيرا من الوافدين يعملون في وظائف ليست ذات تخصصات مهنية صعبة، وتحتاج إلى خبرة من الخارج، بل إنّ بعضها وظائف بسيطة يجيدها حتى الذي يحمل الشهادة الإعدادية أو الثانوية، خاصة في الحجوزات، وبعض الوظائف الإدارية والفنية، ومنها وظيفة مراقبة المسافرين بالمطار، كالمقارنة بين التذكرة واسم صاحب التذكرة الحقيقي، ووظائف أخرى في هذا الجانب بالمطار، وما تزال هذه العمالة موجودة حتى الآن، صحيح إنّ العمالة الوطنية بدأت تتضاعف في الكثير من الأقسام، إلا أن بعض الوظائف في شركات الطيران لا تزال بها غير العمانيين!! فلماذا لا تعطى هذه الوظائف للعمانيين وهم أولى وأحق بهذه الوظائف، خاصة أن لدينا الكثير من الشباب يحملون شهادات بمستويات مختلفة أنهوا دراستهم من سنوات، يستطيعوا أن يشغلوا هذه الوظائف، ومن ضمن كثرة الموظفين الأجانب في الكثير من الشركات الكبيرة في بلادنا، غياب التعريب في هذه الشركات، وهذا كما نعتقد من الأسباب الكبيرة والهامة لعدم إحلال العمانيين في هذه القطاعات المهمة، والسبب الأهم، غياب تعريب المعاملات الإدارية والفنية في مؤسسات وشركات كثيرة جدًا، لذلك من الأولويات التي نراها مهمة وناجزة للتعمين،التعريب، وتلك معادلة ثابتة لا أستطيع تجاوزها. وهي بلا شك أعطت الفرصة للقيادات الأجنبية في الكثير من الشركات والمؤسسات لحصار التعمين في حدود ضيقة، ولم يتراجع، بل يزداد، في الكثير من الشركات والمؤسسات التي لا نستطيع حصرها. وكان بإمكان العمانيين الإحلال في هذه الشركات وبجدارة لو تحققت تلك الملاحظات التي ذكرناها، وأنا لدي سؤال يحتاج إلى إجابة: لماذا نجح التعمين في قطاعات ليست سهلة وعمل إداري وفني دقيق، كالمصارف والاتصالات، ولا نجده في قطاعات أٌقل صعوبة، وعملها إداري وسهل الاستيعاب، كوكالات السيارات وشركات ومؤسسات كبيرة. وعلى سبيل المثال وكالات السيارات في أغلب المحافظات بالسلطنة، نجد الوافدين هم الأكثر بين العاملين بهذه الوكالات، عدا وظائف صغيرة، وذات مردود مادي بسيط ، بينما الوافد هو الكل في الكل، وهو المسؤول الأول والأخير عن كل صغيرة وكبيرة، وهذا ليس جديدًا أقوله، بل كل العمانيين يعرفون ذلك، فهل يعقل بعد اثنين وأربعين عاماً من التعليم والتأهيل وحصد الشهادات العليا من قبل أبنائنا وبناتنا، ألا نجد من يحل محل هؤلاء؟! والله إنني استغرب هذا الذي يحصل في مسار التعمين في الشركات والمؤسسات الكبيرة، بينما وزارة القوى العاملة تفرض التعمين على بقالات ومحلات صغيرة، لا يجد أحيانًا صاحبها ربحية في أشهر عديدة، بينما لا نهتم بمسألة التعمين في هذه القطاعات ذات المرتبات الجيدة والوظائف المهنية ذات الأفضلية الإدارية.

رسالة إلى من يهمه الأمر

تعليق عبر الفيس بوك