دراسة بحثية عمانية لتطوير عقار "البوديسونيد" لتقليل التأثيرات الجانبية لمرضى التقرح القولوني

مسقط - الرؤية

تمكن فريق بحثي بجامعة نزوى- وبتمويل من مجلس البحث العلمي- من تطوير عقار البوديسونيد لتقليل التأثيرات الجانبية وضمان وصوله الى القولون بشكل مخفي وبجرعات مسيطر عليها، بالإضافة إلى تطوير دواء مخفي من البوديسونيد نانو، للحد من الآثار الجانبية للبوديسونيد والسيطرة على الموقع المستهدف.

ويتم تحضير البوديسونيد على مرحلتين بواسطة ترسب النانو، ونظام التسليم الذي يتم تكوينه في كبسولات غشاء غير متماثل في غشاء جرى التأكد منه بواسطة مطياف تحويل فورييه للأشعة تحت الحمراء، ومقياس المطياف الكتلوي، ومقياس مطياف الرنين المغناطيسي النووي، بالإضافة إلى مقياس الماسح التفاضلي والمجهر الماسح الالكتروني.

جاء ذلك من خلال الدراسة البحثية الممولة من مجلس البحث العلمي بعنوان "تخليق البوديسونيد المخفي وتركيبه على شكل جزيئات النانو في كبسولات غشاء غير متماثل في غشاء لاستهداف القولون"، بقيادة الباحث الرئيسي للمشروع الدكتور أنيل فيليب من جامعة نزوى، والفريق المكون من مجموعة من الباحثين المحلين، وبعض الاستشاريين من جامعة روبرت كوردن بالمملكة المتحدة.

أهداف الدراسة

وحول الهدف العام من المشروع، قال الباحث الرئيسي الدكتور أنيل فيليب إن البحث يعمل على مساعدة المرضى في السلطنة الذين يعانون من داء التقرح القولوني عن طريق اعطائهم جرعة دوائية فعالة وبسعر معقول مضيفاً أن فكرة هذا البحث تعمل على إنشاء نظام توصيل دوائي فعال يكون في متناول المرضى المصابين بداء التقرح القولوني (القولون التقرحي). وركز البحث على استخدام العقار المخفي نانو في احداث التأثير المطلوب في منطقة القولون المراد معالجتها، من اجل إبراز منافع هذا الدواء وفعاليته، كونه دوءا جديدا ومبتكرا لم يسبق اختباره. وتابع الدكتور أنيل فليب أنه لوحظ ان هناك مؤشر مستمر لحالات حدوث داء التهاب الامعاء في اجزاء مختلفة من العالم، وفي سلطنة عمان ليس هناك توثيق دقيق لهذا المرض، والمعلومات المتوفرة بهذا الخصوص مستقاة من مواطنين عمانيين ومقيمين على حد سواء، لذا فقد أفادت احدى الدراسات البحثية ان نسبة حدوث مرض التهاب الأمعاء سنويا في سلطنة عمان هي 1.35/100000 يصيب جزءا كبيرا من هذه النسبة الطبقة المتوسطة الدخل والطبقة فوق المتوسطة وغير المدخنين ومن كانوا يدخنون سابقا.

مرض القولون

وقالت الدكتورة عفاف محمد ولي الباحثة المساعدة بالمشروع البحثي من كلية الصيدلة والتمريض بجامعة نزوى إن مرض التهاب الأمعاء هو مجموعة من الالتهابات التي تحدث في القولون والأمعاء الدقيقة، موضحة أن الأشكال الرئيسية لهذا المرض هي مرض كرون أو التهاب القولون التقرحي، والتي تتصف بحوادث متكررة من سلسلة إصابات والتهاب الأغشية المخاطية. وبينت أنّه في الوقت الحالي لا يوجد علاج محدد لهذا المرض، والعلاجات الدوائية المستخدمة تعتمد على مجموعة من الأدوية المضادة للالتهابات، والخالية من مركبات السترويد، إضافة إلى هرمون الجلوكورتيكويد وبعض الأدوية المؤثرة على مناعة الجسم، مع العلاجات الموصى بها حاليا لمثل هذه الأمراض. وأضافت الدكتورة عفاف أن الهدف الأساسي من العلاج عن طريق الأدوية هو تقليل التهابات القولون، والذي يحتاج غالباً لتناول جرعات مستمرة من هذه الأدوية، الأمر الذي قد يؤدي الى تعزيز حدوث تقرح ونزف المعدة والأمعاء مع مضاعفات أخرى، كما أن طرق الإصابة بهذا المرض غير معروفة ولقد أثبتت دراسات كثيرة أن سبب الإصابة هو نتيجة قمع أو إحباط الاستجابة المناعية للجسم.

وأشار الباحث الرئيسي في المشروع البحثي الدكتور أنيل فيليب إلى أن الدراسات خلصت إلى أن التهاب القولون التقرحي يحدث في بلداننا بوتيرة أقل من الغرب، إلا أن نطاق انتشاره متساو تقريبا في المنطقتين.

ويفيد تقرير أن نسبة حدوث داء التقرح القولوني قد ترتفع بشكل ملفت أكثر مما هو مبلغ عنه حتى الآن.

وأضاف فيليب أن بعض الدراسات الوبائية التي أجريت على مدى العشرين عاما الماضية في الشرق الأوسط أشارت إلى أن داء التهاب الأمعاء قد يكون أكثر انتشارا في البلدان النامية، وأن هناك ارتفاعا في نسبة الإصابة بداء التقرح القولوني في بلدان منطقة الشرق الأوسط؛ حيث إن هناك عوامل كثيرة أسهمت في شيوع وزيادة هذا المرض في بلدان المنطقة منها العوامل البيئية، بما في ذلك التدخين وتناول الغذاء على نمط ما هو شائع في الغرب، مثل تناول الوجبات السريعة ونحوها.

ومن جانب آخر، قالت الدكتورة عفاف إن استعمال هرمون جلوكورتيكويد عن طريق الفم والحقن الوريدي تم تقييده لمرضى التهاب القولون التقرحي، لأنه يؤدي الى قمع الغدة الكظرية وهشاشة العظام وكبت المناعة. وأضافت أن الطريق الأنسب هو الحقن الشرجي، لكن في حالة الجرعات العالية فانه يؤدي الى بعض الآثار الجانبية، كذلك ان عقار البوديسونيد وهو من مركبات الجلوكوكورتيكوتيد لديه قابلية ضعيفة للذوبان في الماء ويستعمل في علاج التهاب الأمعاء ومرض كرون.

نتائج الدراسة

وأظهرت تركيبة كبسولة الغشاء غير المتماثل في غشاء (AMMCs) وجود منطقة خارجية سميكة/ كثيفة غير مثقبة (بدون مسامات) ومنطقة داخلية مسامية خفيفة، وكانت المسام ذات مدى نانوي. وأجريت دراسات إطلاق الدواء باستخدام 23 تصميما تصنيعيا (عامليا)، وجرى دراسة تأثيرات المتغيرات التكوينية المختلفة، وكذا الضغط الأسموزي على اطلاق الدواء.

وتم تطبيق نماذج مركبة مختلفة لغرض فهم اطلاق الدواء من كبسولة الغشاء غير المتماثل في غشاء "AMMCs"، وأظهرت النتائج أن البوديسونيد كانت ضمن المدى النانوي. كما أيدت التوصيفات صحة تكون جزئ جديد تحول الى البوديسونيد في بيئة القولون. أما الاطلاق فكان ضغطا أسموزيا معتمدا، في حين كان التحكم نتيجة لوجود ارومة خميرية نشطة في التركيبات، وكان إطلاق الدواء من الغشاء الغير متماثل في كبسولة غشائية ذات رتبة صفرية وانتشار فيكياني (من منطقة التركيز العالي الى منطقة التركيز المنخفض).

وفيما يتعلق بأبرز نتائج الدراسة، قال الدكتور أنيل فيليب إن تحويل بوديسونيد الى دواء مخفي بوديسونيدي يعد انجازا جديدا الى حد كبير، وتحديد صفات هذا الدواء بكل نجاح، مؤكدا أن محتوى الدواء كان جيدا وبنطاق نانوي ممتاز، وقد أظهر ملف الاطلاق في المختبر اطلاقا ذا ترتيب صفري مع انتشار فيكياني، الأمر الذي سمح للدواء بإعطاء إطلاق مسيطر عليه، مما يساعد في الحد من التأثيرات الجانبية الناجمة عن اعطاء المريض جرعات عالية.

أما من ناحية المنافع التعليمية، فأوضح فيليب أن هذا البحث الذي اعتمد على أحدث المعدات التي جرى شراؤها بتمويل من مجلس البحث العلمي، أرسى منهجا بحثيا لدى باحثي جامعة نزوى، الأمر الذي ساهم في عملية تدريب الكوادر البشرية الوطنية، حيث تم تدريب 3 من طلبة الدراسات الأولية، واثنين من الصيادلة وفنية مختبر واحدة على مختلف جوانب البحث المتعلقة بنظام تسليم الدواء المخفي. وتابع أنه تم تدريبهم على كيفية التعامل مع معدات البحث. وزاد: نعتقد ان المعرفة والخبرة التي حصل عليها الباحثون المشاركون الشباب في السلطنة سيساعد في إرساء قاعدة بحثية للأجيال القادمة من المواطنين العمانيين فيما يخص الجوانب المختلفة لعلم الكيمياء الصيدلانية وعلم الصيدلانيات وخصوصا في مجال نظام تسليم الدواء المستهدف.

وقالت الدكتورة عفاف محمد إن الدواء المخفي البوديسونيدي في شكله النانوي تجاوز توقعاتنا من حيث كونه مستحضرا جرى إعداده بشكل جيد، وعليه نوصي بقوة بإجراء تقييمات مستقبلية لهذا المستحضر على نطاق واسع. وبينت أن هذا الامر يتطلب إجراء دراسات في الجسم الحي لغرض توثيق هذا المستحضر من أجل التخفيف عن المرضى الذين يعانون من داء التهاب الامعاء، ونقترح طريقة للعلاج يمكن ان تكون نظام اطلاق دوائي مخفي لأدوية أخرى ذات تأثيرات جانبية خطيرة، وبالامكان توسيع تطبيقاتها لتشمل معالجة حالات سرطانية عن طريق استهداف دواء بعينه للمنطقة المصابة. وأضافت الدكتورة عفاف محمد أنه في الوقت الحاضر نخطط لتقييم نقل غشاء غير متماثل، ونحن نرى أن المستقبل واعد إذا ما وجدنا ان الصناعات الدوائية قادرة على دعم هذه الفكرة في السلطنة. وكشفت أنه في بداية هذا المشروع اتصلت بهم شركة "أسترا زينيكا" من المملكة المتحدة، وزودت القائمين على المشروع بعينة دوائية مجانية للبحث، وأبدوا اهتماما بنتيجة هذا المشروع.

الفريق البحثي

وحول أعضاء الفريق البحثي، قالت الدكتورة عفاف إن الفريق يتكون من عدد من الباحثين المساعدين والباحث الرئيسي بقيادة الدكتور انيل فيليب بجامعة نزوى، والباحث البروفسور دونالد كارينس استشاري بجامعة روبرت كوردن، والدكتور كولن تومبسن استشاري من جامعة روبرت كوردن، والدكتورة عفاف محمد ولي باحثة مساعدة من جامعة نزوى، والباحث المساعد الدكتور قاسم الريامي بجامعة نزوى، والباحثة المساعدة بتي فيليب بجامعة نزوى، والصيدلاني مصطفى الكمياني باحث مساعد بجامعة نزوى، والصيدلانية زينب الخروصي باحثة مساعدة بجامعة نزوى، وأحلام العبري باحثة مساعدة بجامعة نزوى، والصيدلانية آمنة السنانية طالبة دراسات أولية بجامعة نزوى، والصيدلانية مروة الخيفية طالبة دراسات أولية بجامعة نزوى، والصيدلاني حمد الحبسي طالب دراسات أولية بجامعة نزوى.

تعليق عبر الفيس بوك