جامعة الظاهرة ومنظومة التعليم

د.هاشل بن سعد الغافري *

حديثنا عن جامعة الظاهرة ليس حديثاً فئوياً أو مناطقيا بقدر ما هو حديث عن أهمية وجود مؤسسة تعليمية بمستوى جامعة في ولاية كبيرة لها بعدها التاريخي والجغرافي، فوجود جامعة في محافظة الظاهرة لا يخص سكان تلك المحافظة فحسب بل يعني أكثر من ذلك وهو أهمية وجود جامعة في محافظة تمثل بوابة برية للسلطنة ومركزًا جغرافياً حيوياً يمكن أن يزود الدولة بواردات اقتصادية متنوعة لا تقل أهمية عن النفط والغاز وسائر المعادن التي تستخرج من باطن تلك المحافظة. وعندما نتحدث عن وجود جامعة تحمل اسم المحافظة فنحن نتحدث عن ضرورة وجود مشروع علمي يتكامل مع المشاريع الاقتصادية والتجارية التي سوف تزدهر بهذه المحافظة في منظور المستقبل القريب والبعيد. من هنا انطلقت رؤية أبناء تلك المحافظة متقدمين برسالة لجهات الاختصاص رغبة منهم في إنشاء جامعة تحمل اسم المحافظة مشفوعة رسالتهم تلك بدراسة جدوى علمية شهدت وزارة التعليم العالي بمنهجية تلك الدراسة وصلاحيتها، ولأنّ الدراسة مكتملة الشروط قامت وزارة التعليم العالي برفعها لمجلس التعليم العالي (سابقًا)غير أن الرد الذي وصل من مجلس التعليم العالي حينها يفيد بأنّ المجلس لم يلتزم المنهجية العلمية في تعاطيه مع فكرة الجامعة فالرد من المجلس لا علاقة له بموضوع الدراسة التي تقدم بها أبناء محافظة الظاهرة إنما تضمن الرد تجاهلاً تاماً لموضوع الجامعة وقراراً بفرض بديلين لا علاقة لهما بدراسة الجدوى. ومما ينبغي التأكيد عليه أن أبناء محافظة الظاهرة الذين تبنوا مشروع الجامعة يتمتعون بمستوى عالٍ من العلم والثقافة والخبرة فمنهم قيادات وصناع قرار وأهل خبرة في السياسة والاقتصاد ومنهم أكاديميون وأطباء ومهندسون وأساتذة جامعيون وعندما قدموا رؤيتهم في ذلك المشروع كانوا يدركون ما يفعلون ويعرفون المسار الذي يتجهون إليه ويعوون الأهداف التي يرغبون تحقيقها، وكان حرياً بالمجلس أن يزور المحافظة ويلتقي بأبنائها ويسمع منهم ويسمعون منه فهناك الكثير من المتغيرات تحيط بالمحافظة قد لا تكون واضحة للمجلس الموقر وكان من واجبه كمجلس أن يدرس الواقع من خلال المعاينة والمشاهدة الحية المباشرة لا من خلال تصورات ذهنية تولد انطباعات شخصية ثم تسقط على شكل قرارات .

أرجو من مجلس التعليم إعادة قراءة ملف جامعة الظاهرة لما يمثله من أهمية كبيرة على كافة المستويات الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية ، نعم أرجو إعادة قراءته دون تأخير فالقرارات المتأخرة في مؤسساتنا التنفيذية جلبت لنا خسائر فادحة ولم يعد المجتمع قادراً على تحمل مزيد من الخسائر الناجمة عن القرارات الخطأ. والحقيقة إنني لا ارغب في سرد المبررات التي تؤكد ضرورة إنشاء جامعة في محافظة الظاهرة لكون تلك المبررات متضمنة في دراسة الجدوى ولكني أريد أن أؤكد أن قرار منع إنشاء جامعة الظاهرة هو قرار خطأ يضاف إلى قائمة القرارات الخطأ في منظومتنا التعليمية وهي كثيرة ومتعددة منها على سبيل المثال: تعدد جهات الإشراف على مؤسسات التعليم بحيث أصبحت وزارات الخدمة المدنية تتسابق في إنشاء مؤسسات تابعة لها وكأنّه نوع من " البرستيج" أو الوجاهة، فتعدد جهات الإشراف ينتج عنه ازدواجية في مخرجات التعليم وهو ناتج من وجود ازدواجية في الأهداف والعمليات والنتائج مما يسبب اتساع الفجوة بين الأهداف العليا للمجتمع والأهداف الإجرائية التي تتبناها المؤسسات ، وغلق كليات التربية خطأ آخر حيث تم غلق كليات التربية الستة بالاعتماد على بيانات أقل ما نقول عنها أنها بيانات مغلوطة لا تستند لحقائق وتم تحويل تلك الكليات إلى تخصصات أغرقت السوق المحلي وفي المقابل قل عدد المعلمين العمانيين ورجعنا مرة أخرى لعقد السبعينيات والثمانينيات القائم على نظام الإعارات والاعتماد على المعلمين الوافدين، وهناك خطأ ثالث يتمثل في بطء تحويل كليات العلوم التطبيقية إلى جامعات مع أنها تمتلك كل المقومات ولديها الجاهزية الكاملة لهذا التحويل ، أما الخطأ الرابع فيتمثل في فتح برنامج التأهيل التربوي في جامعة السلطان قابوس ولا نعلم شيئاً عن مبررات هذا القرار وسيدرك متخذ القرار هذا الخطأ بعد أن يذهب منتج هذا الدبلوم للميدان وتقوم وزارة التربية والتعليم حينها بضرب أخماسها في أسداسها تبحث عن مخرج لتوحيد تلك المخرجات وهيهات هيهات تستطيع ذلك وكان الأولى فتح كليات إعداد المعلم بدلاً من تلك المحاولات الترقيعية التي لا تقدم حلولاً إيجابية للمشكلات. والحقيقة أن أخطاء صنع القرار في منظومتنا التعليمية كثيرة ومتعددة حتى لو لم نمتلك الشجاعة في الاعتراف بالخطأ وكل ما أتمناه أن لا يقابل مشروع جامعة الظاهرة بالمنع فيضاف إلى قائمة أخطاء منظومتنا التعليمية.

*باحث وأكاديمي

dhashil@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك