الشعور بالاعتبار حاجة نفسية للأبناء

نادية المكتومية

يأتي الطفل لهذا العالم هبة ومنحة من الله تعالى لوالديه، فهو نعمة تستحق الشكر، ومن مظاهر شكر النعمة المحافظة عليها، ورعايتها، فلكل طفل حاجات نفسية أساسية ومهمة في حياته يحتاجها لينمو نموا سويا ومتكاملا ويخرج للمجتمع فردا مستقلا متفردا له كينونته الخاصة، ومن حكمة وإعجاز الله في خلقه بأنه لا توجد نسخة مطابقة لأي إنسان فكل إنسان متفرد بذاته له بصمته التي لا يشبهها أحد، ومن المهم مراعاة هذا التفرّد والتميّز في عملية تربية أطفالنا.

الشعور بالاعتبار يقصد به: أن يشعر ذلك الطفل بأنه كيان مستقل مقدر ممن حوله له وجود في محيطه أينما وجد، وهو حاجة نمائية طبيعية نتيجة نزوع الطفل ورغبته في الاستقلال والاعتماد على نفسه والشعور بقدراته وتقديره لذاته.

فالثقة بالنفس والشعور بالاستقلالية حاجتان أساسيتان لتشكيل شخصية متكاملة لدى الطفل، وبالتأكيد يكون الشعور بقلة القيمة والضألة والتحقير أو أنه نكرة لا وجود له سيهدم الحاجة للاعتبار، وينتج طفلا فاقدا للثقة شاعرًا بالنقص مما ينتج عنه خلل في شخصيته لاحقا في مرحلة المراهقة والرشد.

وهنا تحضرني قصة في صميم هذا الاحتياج "رأى ولد صغير أباه يلمع سيارته فسأله: بابا سيارتك تساوي الكثير أليس كذلك؟ فأجابه الأب: بلى إنّها تساوي الكثير وتساوي أكثر إذا اعتنينا بها، فعندما نبيعها ستحرز ثمنا أغلى. فأطرق الصبي لحظة ثم قال: بابا أعتقد أنني لا أساوي الكثير".

نعم عزيزي المربي هي لفتات بسيطة لكنها توصل رسائل خفية خطيرة لأبنائنا، من الطبيعي إذا لم يجد الطفل إشباعا لاحتاجاته النمائية في محيطه ومن قبل من يتولون تربيته ورعايتها سيلجأ لبعض السلوكيات التي قد يعتبرها كثير من الآباء أنها سلوكيات مزعجة، وهي في الحقيقة ليست سوى رسائل ومؤشرات من الطفل لحاجته النفسية كحاجته للاعتبار والشعور بالاستقلاليه مثلا، ويخطئ الكثير من المربين عندما يركزون على معالجة هذه السلوكيات المزعجة كسلوك متناسين أنّها مجرد سلوكيات وليست هي المشكلة، بينما تكمن المشكلة في احتياج معين لم يشبع لدى الطفل فعبر ذلك الطفل عن هذا الاحتياج بسلوكيات مزعجة، إذن الحل هو علاج أساس المشكلة وليست مظاهرها، فانتبه أيها المربي فكل سلوك مزعج يصدر عن الطفل ما هو إلا مؤشر لمشكلة أو نقص أو احتياج يقف وراء هذا السلوك المزعج، فيجب علينا معالجة أساس المشكلة أي الدوافع النفسية وليس أعراضها، تماما مثل الحمى والصداع هي أعراض لمشكلة خفية أنتجت هذه الأعراض.

ومن الأعراض التي تدل على حاجة الطفل للشعور بالاعتبار ما يلي:

1. العناد: تشكو من طفلك بأنه عنيد أقول ما العناد إلا عرض لاحتياج ودافع نفسي ظهر على شكل سلوك عناد سواء عناد بمعارضة واضحة لرغبات الوالدين أو عناد مستتر كالتمارض والنسيان...الخ.

2. التخريب: بمعنى يقوم الطفل بتخريب الأشياء المحيطة في البيت أو المدرسة لإثارة ولفت انتباه المربي بأنّه يحتاج لإشعاره باعتباره ووجوده واستقلاليته فيشبع هذه الحاجة المفقودة للاعتبار بالتخريب.

3. قلة الأكل: قد يكون قلّة الشهيّة ورفض الأكل عرض للحاجة للاعتبار وذلك لكون هذا السلوك يقلق الوالدين ويثير اهتمامها، فيستخدمه الطفل كسلوك للحصول على حاجته للشعور بالاهتمام والاعتبار.

4. الصراخ لإثارة الانتباه: أيضًا من الوسائل التي يمكن للطفل استخدامه لتنبيه الوالدين لحاجته للاعتبار والاهتمام.

5. إزعاج الضيوف في البيت: كثيرًا ما تأتي الأم تشتكي ابني " شقي" يدخل المجلس ويستفز الضيوف ويشعرني بالحرج، وطبعًا كثير من الآباء يقابلون هذا التصرف بالإقصاء عن غرفة الضيوف أو الحبس أو الزجر والتهديد والأسوأ أن ذلك يتم أمام الضيوف مما يزيد الحالة سوءا، هذا السلوك من قبل الطفل ما هو إلا تعبير عن حاجته للشعور بالاهتمام والأهمية ولفت الانتباه.

6. أيضا من الأعراض ادعاء الطفل بأنّه حقق أشياء كثيرة للحصول على الشعور بالمكانة والاعتبار والاهتمام.

كل هذه السلوكيّات المزعجة ما هي إلا مؤشرات تصدر نتيجة لحاجة نفسية معينة لدى الطفل لم تشبع من قبل الوالدين، كالحاجة إلى الشعور بالاعتبار والاهتمام والاستقلالية، وهذه الأعراض لا تصاحب فقط حاجة الطفل للشعور بالاعتبار فقد تصاحب حاجات نفسية أخرى لدى الطفل.

ولا يجب على الوالدين أو المربي إغفال وتجاهل هذه السلوكيات المزعجة أو مواجهتها بالضرب والعقاب والعنف لأنّ ذلك يجعلها تستفحل وتزداد، إنما ينبغي البحث عن السبب الرئيسي والمشكلة الحقيقية لدى الطفل والتي دفعته لمثل هذا السلوك.

ولإشباع حاجة الطفل وبناء الشعور بالاعتبار ننصح بالآتي:

  • تخصيص وقت للطفل وذلك للاصغاء إليه، بعيدًا عن هاتفك وعن التلفاز وغيره، اجلس معه واسمعه، يحتاج على الأقل يوميًا 20 دقيقة، فهل بإمكانك أيّها المربي توفير هذا الوقت لفلذة كبدك وجعله على رأس أولوياتك؟ كم من الأوقات التي نضيعها على الواتس آب ووسائل التواصل الاجتماعي أليس أبناؤنا أحق بها؟
  • فاقد الشيء لا يعطيه، إنّ نظرة الأب أو الأم المتدنيّة لأنفسهم وعدم شعورهم بقيمتهم الذاتية يجعلهم ينقلون هذا الشعور لأبنائهم، والتربية نمذجة للسلوك في المقام الأول، فكن أيّها المربي مقدرًا لذاتك أولا محترمًا لها لتعكس ذلك الشعور على أبنائك فيكتسبوه بالنمذجة العملية بشكل تلقائيا.
  • امنح ابنك الحرية ولا تتصرف بدلا منه بمعنى لا تقم بالأشياء بدلا عنه أو ترد بدلا عنه، بل اجعله يعبر عن نفسه بأفعاله ويتكلم عمّا يدور بخاطره، ويتصرّف في أموره بحريته مع رقابة والدية محسوبة فعندما تنحيه جانبا وتتصرف وتتحدث بدلا عنه توصل له رسالة بأنك غير قادر أو غير مؤهل، أو غير مهم فيشعر بالعجز والضآلة بداخله.
  • امنحه حرية الاختيار: دعه يختار ألعابه في حدود ما اتفقت أنت وهو عليه، دعه يختار ملابسه وألوانه المفضلة مع رضاك عنها بذلك ترد له اعتباره وتحسسه بالمسؤولية.
  • احترم رأيه فالاحترام قبل الحب، فكثير من الأطفال يتدخلون ويدلون برأيهم كثيرا ومهما كان رأيه أشعره بأهميته باستماعك له، ناقشه فيه، حاوره حوله، أقنعه ولا تسفه كلامه أو تستهزئ به، حتى لا تصيبه بالخيبة والإحباط...
  • كلفه بأعمال ومهام ومسؤوليات في حدود ما يطيق: فالطفل يشعر بأهميته عندما تطلب منه المساعدة والقيام ببعض المهام المحببة إليه كمساعدتك في تنظيف سيارتك أو تنظيف المنزل معك، أو التسوق واختيار أغراض المنزل معك، فما أروع أن تشعره بأنه جزء مهم في الأسرة وأنكم بحاجة إليه وبأن له قدرات وطاقات مميزة عن الجميع.
  • امدحه فللمدح تأثير السحر على نفسه، امدح إنجازته لأن ذلك يعطيه الإحساس بالأهمية، امدح سلوكه وليس المدح العام فقط بمعنى ألا تكتفي بقولك أنت رائع إنما الأكثر أثر أن تقول تصرفك اليوم عند مساعدة أختك في فتح باب الغرفة كان رائعا، بذلك تثبت السلوك المحبب وتشبع لديه حاجته للمدح.

ما أجمل أن تفتخر بابنك أمام الناس وأمام أصدقائه وتثني على إنجازاته وتستغل وجود التجمعات العائلية لتثني عليه وتفتخر به أمام أعمامه وأخواله وأبنائهم فكلما شجعته أكثر أنجز أكثر وثبت لديه شعور قوي بالاعتبار.

تذكر عزيزي المربي أن الشعور بالاعتبار حاجة نفسية للطفل وللكبير أيضا، فامنح طفلك هذا الشعور بالتفرد، وتذكر أن الاهتمام هو الوجه الآخر للحب، فلا يكفي أن نحبهم إنما نترجم هذا الحب بتلبية احتياجاته النمائية في جميع سني عمرهم وتذكر بأن النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه كان يلقب أصحابه بأروع الألقاب ويمدحهم بما يستحقون في كل محفل فذاك الصديق وذاك الفاروق وذاك سيف الله المسلول، وما أحوجنا أن نربي أبناءنا اليوم على نهج الحبيب المربي محمد صلوات ربي وسلامه عليه منبع الرقي والحكمة.

تعليق عبر الفيس بوك