مجتمع الفضيلة

أحمد الرحبي

دائما ما يشكل المثلث المشهور (الجنس والدين والسياسة) في الكتابة العربية مادة شيقة لإثارة فضول القاري العربي، فضول قد يغلب على القراءة ذاتها وما تشكله كفعل أو سيلة لتعميق الوعي وبناء الذات المثقفة لدى القارئ الجيد الذي ينصب اهتمامه على تعميق الوعي لديه وذلك من خلال هضم ما يقرأ بعيدا عن سلبيات القراءة التي تتمثل في التبني الكامل لبعض ما تتم قراءته أو الرفض البات له، و القراءة التي تنبني على فضول صرف وهي ما نجدها ممارسة أكثر في الموضوعات التي تتعلق بالجنس أو الكتب والروايات التي تتناول هذا الجانب، هي قراءة لا تحقق جماليتها من وعي وعمق لدى القارئ، وهذا الفضول في القراءة هو ربما ما عكر الجو العام في الفعالية الأخيرة من معرض الكتاب، وذلك بالنسبة لوصم بعض الكتب والروايات المعروضة ضمن الكتب في المعرض، بأنها منافية للأخلاق وهي بعضها لكتاب عمانيين لهم أقلامهم الراقية ولهم حضورهم المميز في المجتمع، وطالما أنه ليس هناك من تعريف مكتمل ثابت للقيم والأخلاق فهي دائمًا ما تتميز بنسبيتها في التعريف، فإن الضبابية وعدم الوضوح في التعريف، يخلق مشكلة ناحية توظيف مزاج عام قطيعي شعبي، ليذهب بعيدا خلف عاطفته المستثارة بسبب مجرد قراءة مجتزأة وتأويل لهذه القراءة حلق بعيدًا خلف هواجسه.

ومهما تحدثنا مطولا عن دور الأخلاق والقيم، ومديح مساهمتها في حفظ المجتمع وصونه، وهذا كله كلام وعظي افتراضي، لا بد أن نتفق بأنه مهما وفر للقيم والأخلاق من جهد للغرس والإثمار في المجتمع، فإنه برغم هذا الجهد، ليس هناك على أرض الواقع مجتمع فاضل، وهذا ينطبق بطبيعة الحال على المجتمع العماني، فالفضيلة هي تصور متخيل دائما ما ترتبط بمعيار أخلاقي متصور لمجتمع كامل مبرأ من التناقضات لا تخالط قيمه أدنى سلوكيات منحرفة أو نوايا سيئة أو رغائب أو غرائز بعيدة بمسافة كبيرة عن تلك الصورة الطاهرة التي يحاول البعض أن يتصور بها المجتمعات الإنسانية الغاصة بكل الرغائب والغرائز والسلوكيات والنوايا منها المكبوت والمضمر خلف قناع اجتماعي مصطنع من الالتزام والمسايرة، ومنها ما يغالب هذا الكبت والإضمار مهما كانت قوته المتحكمة بالمجتمع، فيفيض ويطفو على السطح أو ينفجر نتيجة هذا الكبت والإضمار ذاته وقوته المسيطرة في اللاوعي الجمعي والمتحكمة بمقادير متفاوتة باللاوعي الفردي، يفيض بشكل علني وفضائحي صادم للمجتمع الذي يضع نفسه رقيبا على الالتزام ليس بالأخلاق التي هي تعتبر نسبية ولا يمكن أن تحوز درجة مطلقة في أي زمان أو مكان، بل يضع نفسه كرقيب على مدى الالتزام بالتقيد بمبدأ وضع القناع الاجتماعي والذي بدونه يشكل ذلك نوعًا من العرى الرمزي يتورط به أو يمارسه الفرد على رؤوس الأشهاد.

والمجتمعات المحافظة أو تلك التي تعيش نوعا من الانغلاق القيمي الحاد، يشكل لها الفضح أو الكشف هاجسا مقلقا، فهذا الفضح أو الكشف يظهر بصورة قوية حالة التناقض لهذه المجتمعات بين ما هو معلن أو ما هو ممارس في العلن حسب التوافقية الجمعية في المجتمع وبين المضمر في بعض السلوكيات والممارسات التي تمارس بشكل خفي بين أفراد المجتمع وهو الأمر الذي اعتاد عليه المجتمع المتمسك بصورة ذات بعدين في النظر.. بعد ظاهر ومعلن وواضح التفاصيل والبعد الآخر من الصورة معتم ومخفي ومغيب عن النظر.

تعليق عبر الفيس بوك