في قراءة كفاح المرأة

ليلى البلوشي

من أدهش ما قرأته عن المرأة هذا العام عن ناشطة أفغانية ترتدي درعًا حديديًا على مفاتنها لتفادي التحرش باللمس على تلك المناطق، تسير بجسارة بدرعها الحديدي في شوارع كابول وسط دهشة الناس واستهجانهم تعبيرا منها عن همجية شعبها وتخلفه.

ومن أتعس ما قرأته عن المرأة هذا العام واستفزني كامرأة هي العبارة الوقحة لأحد مغتصبي فتاة في دلهي حين قال: "عندما تتعرض الفتاة للاغتصاب لا ينبغي لها أن تقاوم، عليها أن تلتزم الصمت وتسمح باغتصابها بعدها سيتركونها بعد الانتهاء منها وسيضربون الشاب فقط"!

ففي يوم 16 من ديسمبر عام 2012م ذهبت فتاة تبلغ من العمر 23 عامًا لمشاهدة الفيلم السينمائي "حياة باي" بصحبة صديق لها، وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم نفسه صعدت مع صديقها حافلة خارج الخدمة على متنها ستة رجال، خمسة بالغين وسادس صغير السن، حين رأى الرجال الفتاة الجميلة برفقة صديقها قاموا بضربه بلا مقدمات ثم تناوبوا على اغتصاب الفتاة قبل أن يهاجموها بقوة مستخدمين آلة حديدية وتوفيت متأثرة بإصابات داخلية كبيرة!

في بلد يعبد أكثر من نصف شعبه آلهة نساء ولكن للأسف الشديد تتعرض نساؤه لمعاملة سيئة للغاية، في بلد يوجد مِن نسائه عالمات ومخترعات ولكنهن يتعرضن للعنف وعدم احترام حريتهن واستقلالهن، هذا الكبت من المجتمع الهندي عن سوء معاملة المرأة جعلها في نظرهم ضحية هشة ومخذولة ومعرضة للدهس باستمرار بينما جعل الرجل يمتلك من الجرأة والوقاحة؛ كي يتهجم عليها في وضح النهار وسط أناس كثيرين في الشارع دون أن يتجرأ أحدهم على التدخل لإنقاذ الفتاة الضحية، بل تصل الوقاحة شدتها عند لفيف منهم حين يقومون بتصوير الفتاة أثناء تعرضها للاغتصاب وتسجيل صوت صرخاتها دون أن ينجدوها، دون أن يشعروا ولو قليلاً بالخجل والأسى!.

هذه الانتهاكات التي تمارس ضد النساء في الهند تحديدا لها أسبابها كما عرضتها مخرجة سينمائية حاورت المغتصبين وتوقعت أن تسمع صوت الندم يثقب حناجرهم وهم يحكون بخجل مشوب بالتوتر ما اقترفوه ببشاعة في حق الضحية، ولكن جل توقعاتها تحطمت حين رأت مدى جرأتهم، وحين لمست كمية وقاحتهم، وحين عرفت كيف أن فكرهم المضل يرى المرأة في بلادها التي تعيش الحداثة والتحضر مجرد سلعة للمتعة وليس كياناً مساوياً للرجل على الرغم من القوانين التي فرضتها الحكومة في دستورها عن حقوق المرأة وجعلها في مصاف الرجل، ولكن في مجتمع كالهند لا يأخذون القوانين التي تتعلق بالمرأة على محمل الجد، وذهبت بأن قصة الانتهاك تبدأ من الطفولة منذ بداية مولد الفتاة التي لا يرحب المجتمع بها مثلما يفعل مع الصبي عندما توزع الحلوى عند مولد الصبي وليست الفتاة، عندما يحظى الصبي برعاية أكبر مقارنة بالفتاة، عندما تفرض القيود على حركة المرأة وتخضع حريتها واختياراتها لقيود، وعندما ترسل إلى بيت زوجها أشبه بالعبيد، من هنا تفشى التبرير للرجال في مجتمع كالهند على استغلال المرأة وعلى تشييئها وفق أهوائهم!.

ومن أجمل ما قرأته عن المرأة في هذا العام هي عبارة "شمسية حسيني": "لقد كان أمرًا مهمًا أن أصبح معلمة، إنها طريقتي الوحيدة في القول لهؤلاء الذين اعتدوا عليّ إنهم لم يربحوا". و "شميسة" هي اليوم معلمة أفغانية حين سكب عليها رجلان على وجهها الحمض الكاوي أمام مدرستها عام 2008م، عزمت أن تكون معلمة للصغار في المدرسة نفسها.

ومن رائع ما قرأته أيضًا عن كفاح النساء المعرضات للاعتداء الخطوة الجريئة التي قامت بها امرأة هندية تدعى "روبا" وهي مصممة أزياء، عندما عرضت على نساء تعرضن للحرق بماء النار دخول مجال عرض الأزياء، وكأنها رسالة في وجه المعتدي الظالم بأن"الجميلات هن القويات" كما ذهب الشاعر محمود درويش في شعره.

ومن الخطوات السديدة أيضًا يظهر مدى تحدي المرأة للعالم العنيف ومدى كفاحهن في سبيل العيش الكريم هو قيام امرأة صاحبة صالون تجميل بتوظيف فتيات تعرضن للحرق والتشويه بماء النار للعمل في مجال التجميل، كسبا للزرق ومنحهن ثقة بأنفسهن بل إثباتا للرجل البغيض الذي تعدى عليهن بأنهن مكافحات ويظلن أبدا على الرغم من كل شيء نساء مكافحات.

سأستعير عبارة من الروائية التركية "أليف شافاق" وهي رسالة قصيرة ذات مضمون لكل امرأة: "إذا كنت هشة مثل كأس الشاي، فإما أن تجدي طريقة كي لا تواجهي ماء يغلي أو أن تنكسري بأسرع ما يمكن، لذلك توقفي عن كونك امرأة شبيهة بالكأس".

ولعل أكثر النساء في العالم جسدت فيهن عبارة الروائية "شافاق" هي "روزا باركس" المرأة الأمريكية الزنجية -هذا النعت الذي كان المجتمع الأمريكي ينعتها وبني جنسها وأنا أبغضه شخصيا- التي رفضت أن تخلي مقعدها في الحافلة من أجل رجل أبيض عندما أمرها السائق بذلك عام 1955م، وقد عدّ المجتمع الأمريكي الأبيض فعلتها جريمة أدخلتها السجن على الرغم من أنها كانت جالسة في الجزء المخصص للسود في الحافلة، ولكن قسم البيض كان مشغولا بالكامل فأراد الشخص الأبيض مقعدها!. على المرأة أن تكون مكافحة حقيقية في هذا العالم كي تحيا بسلام.

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك