الرَّبيع أجمل من الخريف

تفاجأتُ وأنا أزور صلالةَ نهاية الأسبوعِ المُنصرِم بِما تعيِّشه المحافظةُ من أجواءٍ ربيعيةٍ مدهشةٍ، تُحاكِي في روعتِها تلك الأجواء التي عهدناها في الخريف، بل وأجمل..

حيث إنِّني شأن الكثيرينَ كنت أعتقد أنّ روعةَ أجواءِ المحافظةِ في الخريف فقط، وعشِتُ لسنوات أسير هذه الصورةِ النَّمطيةِ للمحافظةِ، حتى تغيَّرت نظرتي قبل أيام إبان زيارةٍ خاطفةٍ للمحافظةِ تأكدت خلالها أنّ الرَّبيع في ظفار أجملُ من الخريف..

حيثُ إنِّه وبعد أن تراجعت الغيوم، وهدأت الأمطار، وانقشعت السُحب وسكتَت المزاريب وظهر لونُ السماءِ الأزرقِ، وعاد سُيّاح الخريف إلى أوطانِهم، وخفَّ الزِّحامُ في صلالة.. تتوهج المدينةُ بنضارةِ الرَّبيع الذي يُعرف محليًا بـ"الصرب"، وتكتسي لون البهجةِ والفرحِ.. في أجواءٍ معتدلةٍ لا تتجاوز فيها الحرارةُ الـ 20 درجة وربما تنخفض عن ذلك في المرتفعاتِ الجبليةِ الخضراء.

إذن .. تتميَّز محافظةُ ظفار بموسمٍ استثنائِي على مستوى السلطنةِ هو فصلُ الرَّبيعُ "الصرب" حيث تتفتح الأزهارُ الجبليةُ بألوانِها المُختلفةِ، وتنتشر المراعي الجبليةُ على مدِّ البصر، وعلى خلاف ما ترسّخ في ذهنية السائح بأنّ صلالة أجمل مع رذاذ الخريفِ، إلا أنِّني وجدتُها أجمل في الرَّبيع المُمتدِّ من شهر سبتمبر وحتى ديسمبر، لأنَّنا أولاً نبتعدُ عن زحمةِ الخريف وصخبه، ليحل محلَه الهدوءُ والوجدُ الجنوبي..لا رذاذَ في الطرقات ولا ضبابَ في الأجواءِ .. كل شيء هنا في الرَّبيع يبتسمُ ويختالُ ضاحكاً.

إنّ آثار الأمطار لا تظهر سوى بعد شهرين من نزولها، ومن هنا فقد يُفاجأ بعض زوارِ الخريفِ بعدم اخضرار الجبال كما شاهدوها في الصوّر، والحقيقةُ أنّ الخضرةَ تكون بارزةً بشكلٍ أكثر في فصلِ الرَّبيع مقارنة بالخريف.. والعديد من العيون تتفجر بعد هطول الأمطار بشهرٍ على الأقل لتسيل مياهُها وتُمتِّع الناظرين في مثلِ هذه الأيام من فصل الرَّبيع.

كما تعود الإبل من السهول إلى الجبالِ مرة أخرى، لأنّه حسب البُعد البيئي يقوم الرعاة مع بداية الخريف بالرعي على السواحل لإعطاء الفرصةِ للأشجار الخضراء للنِّمو في الجبال. لتعود الإبلُ مرة أخرى في الرَّبيع حيث تتوفر الألبان .. وفي فصل الرَّبيع يصبحُ لحليبِ النُّوقِ مذاقه الخاص وتتعاظم فوائده الجمّةُ.

ومع الرَّبيع يعود البحارةُ والصيادون إلى البحرِ لأنّه خلال الخريفِ يصعُب ركوب البحرِ لارتفاع أمواجهِ العاتيةِ، ويُعرف موسمُ الصيدِ محلياً بـ"الفتوح" حيث يبدأ الموسم تدريجيًا مع عودةِ الهدوءِ إلى البحرِ بعد "غضبة الخريف". وهنا أيضاً تتنوع الأسماك مثل الكنعد والشعرى وغيرها من ثرواتٍ بحريةٍ وأصداف تنفرد بها محافظة ظفار. ولا ننسى هنا " الصفيلح" الذي تمتاز به المحافظةُ إلا أنّ صيده محظور لمدة عامين حفاظاً على هذه الثروة البحرية.

ومع اقتراب إجازةِ عيد الأضحى المُبارك نتمنى أن يُيممَ المواطنون وجوههم شطر ظفار لتشجيع السياحة الداخلية واكتشاف المقومات الجماليةِ الرائعةِ لبلادنا على مدار العام، بدلاً ممّا نراه الآن من حمى استعدادات السفر لقضاء إجازةِ عيد الأضحى في الخارج.

ولأن الطّقس وحده لا يصنعُ سياحةً ناجحةً، لذا لابد من تضافر جهود الجميعِ لتعزيزِ واقعِ السياحةِ الداخليةِ، من خلال العملِ على تقديم خدماتٍ سياحيةٍ أفضل من مطاعم وفنادق ومراكز ترفيهية خاصة للأطفال، وفي هذا الجانب تحتاج المحافظة للكثير، خاصة وأنّ السياحةَ الداخليةَ تعتمد على العائلات، ومن هنا لابد من التفكير جدياً في هذه الإضافة وبطرق مبتكرة كإنشاء الحدائق المائية ومرافق التسلية إضافة إلى إمكانية استضافة سيرك متحرك أو مدينة ألعاب متنقلة بين مختلف مدن السلطنة حسب الاحتياجات والمواسم .. وهنا يبرز دور الاستثمار الخاص في القطاع، حيث يمكن لقطاعِ المؤسسات الصغيرةِ والمتوسطةِ أن يُؤسِّس لمشاريع رائدة استنادًا إلى أفكار إبداعيةٍ وأن تكون برسم التعميم على جميع المحافظات.

وغنِّي عن القولِ إنّ استثمار القطاع سينعش السياحةَ ويخدم الاقتصاد من خلال خلق المزيد من فرص العمل لشبابنا، والحد من عبور الأموال إلى الخارج..

وعلى الحكومة أن تُشجِّع القطاع الخاص لولوج هذا المجال، بالإعلان عن حزمةِ حوافزٍ تُسهم في تنشيط القطاع بشكل عام، وتعمل على تفعيل أدوار المجتمعات المحليةِ كل في موقعه وحسب اختصاصاته.

وثمَّة مشاريع قد تحتاج إلى الدعمِ الحكومي في بداية مسيرها، لكونها غير مُجديةٍ اقتصاديًا على المدى القصير، مثل هذه المشاريع من الأسلم أن تنهض وزارة السياحة بعبئها في البدايات، على أن تسند إدارتها لاحقًا إلى القطاع بعد إثبات جدواها، حتى نضمن استمراريتها في خدمة السياحة الداخلية..

وسيكون مردودُ كل ذلك زيادة الإقبالِ على السياحةِ الداخليةِ وتخفيف السفر إلى الخارج، لأنّه في حالة وجود بدائل داخلية لن تلجأ العائلات إلى سياحة الخارج لما يترتب عليها أحيانًا من سلبيات وفي مقدمتها الكلفة المرتفعة وإشكالات حجوزات الطيران وغير ذلك من صعوبات ذات صلةٍ بالسفر إلى الخارج.

ومن هنا يجب التخطيط السليم لتعزيز السياحةِ الداخليةِ عبر توفير مقوماتها وبصورة توظف البيئات المتنوعة في طبيعة السلطنة..

ومع اقتراب إجازة عيد الأضحى، يبقى ربيع ظفار وجهةً مثالية تشد إليها الرحال.

تعليق عبر الفيس بوك