خطاب الأمل

حاتم الطائي

لم تكُن تأكيدات حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بالمضي قُدمًا بمسيرة هذا البلد نحو الرِّفعة والازدهار والعُلا، هي العنوان الأوحد لمضامين الخطاب السامي الذي تفضَّل به جلالته الأسبوع الماضي -بمُناسبة ذكرى تولي جلالته مقاليد الحكم في البلاد- إذْ تجلَّت بين ثنايا الكلمات ملامحُ خارطة طريق جديدة لمستقبل عُمان، نقفُ بها ومعها على أعتاب مرحلةٍ مِلؤها الأمل والجد والتشمير عن السواعد؛ فجاء خطابًا متكاملًا؛ باستعراضٍ أمين وشامل عَكَس إحاطةً كاملةً من لدن جلالته -أيده الله- بكل ما يشغل العقل العُماني من قضايا؛ فطمأن العُمانيين بأنَّ مسيرة النهضة المُتجددة مُتواصلة، وأنَّ تطلعاتهم نحو المستقبل تمضِي بعزيمة وثبات، وأنَّ القادم سيكون عند مُستوى التوقعات، ومُحفّزا للأمل في النفوس والعزائم نحو مزيدٍ من العطاء لبناء مستقبل زاهر لعُمان وأبنائها.

فاستهلالُ جلالته بالتعهُّد بعدم التواني في بذل كلّ ما هو مُتاحٍ لصون ما تحقق من مُكتسبات وإنجازات، مقرونًا بتأكيدات غالية على أنَّ استدامة قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية هو الغاية الأسمى ورأس أولويات مراحل النهضة المتجددة، أرسى دعائمَ الاطمئنان والتفاؤل بأنَّ ما تمرُّ به بلادنا في هذه الأثناء من تداعيات لأوضاع مالية واقتصادية فرضتها جائحة "كوفيد 19" في طريقها إلى حلولٍ مُستدامة، تضمن المعيشة الكريمة للمُواطِن، وتحقِّق أهدافَ الفترة المتبقيَّة من الخطة الخمسية العاشرة، كأولى خطط التنفيذ الفعلي لمستهدفات رؤية "عُمان 2040"، مدعومةً بخطةٍ متكاملة لضمان التوازن المالي، والتوسُّع في سياسات التحفيز الاقتصاديِّ، علاوة على توجيهات جلالته السامية التي تأسَّست وفقها منظومة الحماية الاجتماعية لتوفير حياة كريمة للمُواطنين ممَّن طالتهم تداعيات الجائحة؛ فكان نتاجَ ذلك تحسُّن ملحوظٌ في الأداء الاقتصادي والمالي، تمضي معه بلادنا بانطلاقة أكثر استبشارًا على طريق النماء والازدهار.

وما من شك أنَّ بناء "دولة اقتصادية مُتوازنة"، لا يتحقق دون منظومة إدارية مُتكاملة تُوائِم التغيرات ومتطلبات المرحلة، لرفع كفاءة الأداء. ومن أجل ذلك، كان ملف الاقتصاد -وفي القلب منه "الاستثمار المحلي"- هو الشغل الشاغل في مسيرة البناء والتطوير؛ إذ به تتعزَّز القدرة التنافسية، ومن أجله تُصاغ البرامج الوطنية والخطط والإستراتيجيات المحقِّقة للنماء والازدهار، وقد عنيتْ الرعاية السامية بهذا الملف أيما رعاية، تخطيطًا وتحفيزًا وتسهيلًا، ولعلَّ إفراد جلالته -أيده الله- جزءًا من خطابه لإبراز جهود الدولة في الوصول لـ"استثمار رؤوس الأموال المحلية"، والتنبيه بشأن ما ينتظرها من فرص مُجزية، هو انتقالٌ مُبشِّر على مؤشرات تنفيذ رؤية عُمان المستقبلية، بأنْ تكون بلادنا وجهةً استثماريةً رائدة، يتوسَّع معها حجم الاقتصاد وتتنوع مصادر الدخل؛ فما تتوافر عليه بلادنا اليوم من مزايا تنافسية، وإمكانيات كُبرى، وفرص واعدة، تفرضُ تسخير كافة الجهود والطاقات، وتعزيز فرص التعاون والتكامل بين الجميع، لتعزيز جاهزية الاستثمار فيها، بما تتكامل معه حركة التنمية؛ لتشمل كافة أرجاء هذا الوطن.

وعلى ضفاف الأمل الاقتصادي، جاء تجديد جلالته -حفظه الله- التعهُّد بأن يظل الشباب في صميم الاهتمام، مع التأكيد على إشراكهم "شراكة أكثر شمولية" في بناء الوطن، وإبراز إسهاماتهم الفاعلة وتنظيم أدوارهم في خدمة المجتمع، ليفتح أمام الأجيال الحالية والمُقبلة آفاقًا لا حُدود لها، تتكئ فيها عزائمهم على اطمئنانٍ بأنهم الثروة التي لا تنضب، والصوت المَسموع، وأنَّ تطلعاتِهم ستبقى دومًا في دائرة الضوء تلقى العِناية المُستحقة، في انعكاسٍ لعُمق الثقة الغالية بدعم وتمكين الشباب، والاستفادة من طاقات قادرة على صنع الفارق بحيوية، والقلب النابض بالإنجازِ في كافة ربُوع الوطن وميادين العطاء؛ من أجل بناء مُستقبل مُشرق؛ سيما بتعهُّد جلالته -أبقاه الله- بالتطلع إلى "أمل مقرون بحزم" بأن تقوم قطاعات الدولة والقطاع الخاص بأدوار أوسع في جهود التوظيف؛ بما يَعْنِي أنَّ ملف التشغيل سيأخذ منحى آخر تمامًا خلال المرحلة المُقبلة، يتجسد معه الحزم في المتابعة واختيار المشروعات التي تستطيع توليد فرص عمل أمام الشباب، مع دعمٍ لبرامج رواد ورائدات الأعمال، وحفز أدوارهم الواعدة في تنشيط حركة الاقتصاد.

كما أبرزت مضامين الخطاب السامي كذلك مُرادات "نهج الحكمة" في تجويد الأداء الحكومي، للانتقال به من مستوى الحلول الطارئة إلى مستوى أكثر ديمومةً؛ يتمُّ معه إرساء حُلول شاملة تضع النمو الاقتصادي والاستدامة المالية ورفاهية المجتمع في أوَّل سلّمها، تعزيزًا لحجم الإصلاحات التي وجَّه بها جلالته -أبقاه الله- منذ توليه مقاليد الحكم قبل عامين كاملين، والتي آتت ثمارها بشكل أسرع من المتوقع.

وبقدر ما كانت الآمال عَظِيمة في المستقبل، فإنَّ خطاب ذكرى التنصيب حرص على تعزيز خطَّ الاتصال والارتباط مع تاريخٍ مشرفٍ وعريق: وقائعَ وأحداثًا وقيمًا ومبادئ وهُويَّة، كانت ولا تزال وستظل هي الروح العُمانية المتوارثة بين الأجيال، فارضةً اعتزازًا بالهُوية، وجوهر الشخصية العُمانية، بتوازنٍ ووضوحٍ، وتفاعلٍ إيجابيٍّ، تتعزز معه طموحاتنا في المستقبل دون أن تفقدنا أصالتنا ولا تنسينا هُويتنا.

... إنَّ "الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وتطلعاتكم سيكون هو عنوان المرحلة المقبلة"، إنه وعدٌّ سامٍ في الثالث والعشرين من فبراير 2020م، تعزَّز اليوم بعد عامين كاملين من الإنجاز والعطاء ليكون "الارتقاء بعُمان إلى الذرى العالية، من السُّمو والرفعة، التي تستحقها"، مقرونًا بكونه واجبًا وطنيًّا، وأمانةً عُظمى، تفرضُ على كلّ عُماني وعُمانية، أيَّما كان موقعه ومسؤولياته، دورًا أكبر لتقديم مصلحة الوطن على مصالحه الذاتيَّة؛ ليستقر قارب هذا الوطن على شطآن الغد المُشرق. فلا نهضةَ لوطن دون توظيفٍ لكامل طاقاته لصالح عملية الرُّقي والتطور المنشود.