وقدْ كانَ مُرتكزُ انطلاقتنا في "إعلام المُبادرات"، السعي إلى تأصيل ثقافة المُبادرة في المُجتمع لأنْ يُعوَّل عليها كثيرًا في ابتكارِ الأفكار الخلاقة التي تُساهم في تطوُّر المُجتمع وتقدُّم البُلدان؛ باعتبار أنَّ تلك الثقافة جزءٌ من مبادئ التفكير الإيجابي الذي نحنُ بحاجة ماسَّة إليه؛ لتوجيه جميع الطاقات نحو البناء، وتحفيز المواهب للإبداع، وهي مُجتمِعَة تلعب دوْرًا مُهمًّا في التنمية والبناء.
وعلى النقيض من ثقافة المُبادرة، هُناك ثقافة السلب والتذمُّر والشكوى، والتي تقعُدُ بالإنسان ليكونَ حبيسَ دائرة سوادويَّة مُغلقة برتاجٍ من التشاؤم والهدم الذي يُسيء له، ويحطُّ من كرامته.
ويقومُ فهمُنا للمُبادرة استنادًا إلى حقيقة أنَّ الإنسان بطبعه مُبادر للخير، إلا أنَّ هذا التوجُّه يحتاج أن يُقنَّن، ويُقوْلب ليُناسبَ الحاجات المُجتمعيَّة، ويتلاءم مع مُقتضيات التطوُّر.. وهذا يتطلبُّ من الإنسان المُبادر -وقبل أن يُبادر- التفكير في تحديد أهداف مُبادرته بحيث تتضمَّن إدراكَ الوعي بالوجْهَة والهدف نحو الغد الأفضل.
فعندما يتمُّ تحديد الهدف بشكلٍ علميٍّ ومنهجيٍّ يسهُل تحقيقه على الوجه الأكمل، فقد يكون الهدفُ إنشاءَ شركة صغيرة في مجال تسويق التمور -على سبيل المثال- وقد يكون هدفُ رائدِ الأعمال بعد سنوات من نجاحه في تأسيس شركته أن تكون له فروعٌ خارج المُحافظة التي ينتمي إليها. وهكذا؛ تتعدَّد الأهداف في إطار المُبادرة الواحدة، وتتنوَّع وفقاً لطبيعة المُبادرة والفرد المُبادِر.
ومِن هُنا، يتضح أنَّ ثقافة المُبادرة تقوم أولاً على التخطيط وتحديد الأهداف، ومن ثمَّ توجيه الموارد والطاقات نحو تحقيقها؛ لأن المُبادرة في الأساس هي مَسْلكٌ يتطلَّب السَّبق في اتخاذ القرار، والقدرة والجرأة على بَدْء شيء غير مسبوق، وهُنا تتعاظم التحدِّيات؛ لأن الناس دُرِجُوا على الاستغراب من المُبادرات الجريئة والأحلام بعيدة المنال.
ومِن صفات المُبادر الناجح: ألا تكون أفعاله رهينة اللحظويَّة، وردود أفعاله انفعاليَّة، وألا يرضخ للمثبِّطات الآنيَّة، أو يستسلم لدعاوى أعداء النجاح الذين لا يخلو منهم مُجتمع من المُجتمعات.
فالمُبادرون يتجاوزون الصِّعاب بقوَّة الإرادة، والمُثابرة على العمل؛ لإنجاح مُبادراتهم مِن مُنطلق القناعة بجدواها في خلق تغييرٍ نوعيٍّ في مجالاتها.
كما أنَّهم يهتدون في مسيرتهم صَوْب الهدف، بالاستماع إلى صَوتهم الداخلي الذي يستحثُّهم الخُطى على النجاح؛ من خلال: توظيف مواهبهم المُختلفة وطاقاتهم في شتَّى مجالات الإبداع؛ لتعبِّر عن نفسها إنجازًا على أرض الواقع.
والحال هكذا، علينا أنْ نعملَ على غرس ثقافة المُبادرة في نفوس شبابنا بالتشجيع على ارتياد الأعمال، واقتحام الصِّعاب، دُوْن تردُّد أو وَجَل؛ لأنَّ ثمَّة رابطًا ما بين المُبادرة والمُخاطرة المحسوبة.
وعلينا -كذلك- أنَّ نوجِّه شبابنا نحو ذلك عبر خُطوات أساسيَّة لبناء الذات، وتدعيم الثقة في قُدراتهم ومواهبهم وأفكارهم، وتعزيزها عند مُواجهة التحدِّيات.
وعلى الشَّباب الإيقان بأنَّ طريقَ النجاح ليس مفروشاً بالوُرود، وأنَّ تحقيقَ الأهداف يتطلَّب اجتيازَ الكثير من العقبات، والتي تُكسبهم -من خلال تجاوزها- الكثيرَ من التجارب ممَّا يُعزِّز ثقتهم بأنفسهم.
ومن عوامل التشجيع كذلك: مُكافأة المُجيدين من المُبادرين؛ لتحفيز الآخرين ليحذو حذوهم.
وهُنا، تعدُّ "جائزة الرؤية الاقتصادية" مُبادرة لإيجاد نماذج اقتصاديَّة ناجحة، وصناعة قُدوة يُحتذى بها؛ حيث إنَّ في مجتمعنا الكثيرَ من قصص النجاح التي تستحقُّ أن تُروى، وما علينا سوى أن نضعَ لها المعايير التي تؤهلها لتكون نماذج وقدوة للجيل الجديد.
وهُو مسعًى من "الرؤية" لتعزيز ثقافة المُبادرة، والتفكير الإيجابي لتفعيل الطاقات الشابَّة لتأخذ دورها في التنمية والتدافع الإيجابي في بناء الذات؛ مما يعني النجاح في بناء الأوطان؛ لأن هذا مكمن التوافق بين بناء المُواطن والوطن؛ ففي الجزء يكمُن الكل في أدوار تكمِّل بعضها البعض كالعزف المُنفرد ضمن البناء السيمفوني.
وممَّا يُفرح الخاطر أنَّ المُبادرات التي أطلقتها "الرؤية"، أضحتْ الآن مُبادرات مُجتمعيَّة بمعنى الكلمة؛ ومنها: "جائزة الرؤية الاقتصادية"، ويعكسُ ذلك حجم الإقبال الكبير على المُشاركة فيها، والارتقاء النوعي للمشاريع المُتقدِّمة لها عامًا بعد الآخر؛ مما استوجب منَّا تحركًا موازيًا؛ من خلال تجويد معايير الجائزة وتوسيع فئاتها؛ لتواكب المُستجدات في عالم الاقتصاد الوطني؛ كوننا في حاجة ماسَّة لخلق نماذج اقتصاديَّة ناجحة يستفيدُ منها الشباب لبدء مسيرتهم المهنيَّة، ولتجسير التواصل بين الأجيال، وتبادل الخبرات والتجارب.
فالجائزة ترجمة لـ"إعلام المبادرات" الهادف إلى تفعيل دور الإعلام في خدمة التنمية؛ بفكر حديث، وثوب جديد، يتكيَّف ومُتطلبات التنمية التي تنعمُ بها بلادنا؛ انسجامًا مع فكر النهضة المبني على أهميَّة بناء الإنسان العُماني، وتحفيزه نحو المزيد من العطاء والتطوير؛ باعتباره أساسَ العمل التنموي وغايته.
ولا بد لنا -في هذا المقام- التأكيد على أهميَّة التزام القطاع الخاص بمسؤوليَّته الاجتماعية؛ لما لها من دور إيجابيٍّ في التكامل بين المُجتمع ومؤسساته من خلال تبادل المنافع.. ونتطلعُ إلى تشريعات جديدة تقنِّن الالتزام بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة، وتعمل على تحفيز القطاع الخاص للقيام بهذا الدور بدافعية إيجابيَّة، تعزِّز وجود هذه الثقافة في واقعنا.
وختامًا نودُّ القول بأنَّ كل ما تُطلقه "الرؤية" من مُبادرات، إنما يأتي في إطار التزام -لا نحيد عنه- لخدمة المُجتمع وتحقيق غاياته التنمويَّة.