كلثوم الحسنية
قد يمر العمر طويلاً قبل أن ينتبه الإنسان إلى السؤال الأهم: هل أعيش حياتي، أم منحتها لبطل آخر؟
في القصص، يعرف البطل لا بكمال المشهد؛ بل بوضوح أثره فيه. أما من يعيش في الهامش، فلا يبدو أقل قيمة؛ بل أقل انتباهًا إلى أن الدور الذي تبناه لم يكن دوره هو.
أن تعيش حياتك كشخصية رئيسية يعني أن تتبدل علاقتك بذاتك أولا، ثم تتبدل كل العلاقات التي تتكون بعدها. لا يعني أن تتقدم لتزاحم أحدا على دوره؛ بل أن تكف عن السماح لأحد أن يزاحمك على دورك في حياتك أنت.
المفهوم لا يتعلق بالأنانية، ولا بالبطولة المتخيلة؛ بل باليقين العميق بأنَّ حياتك لا تعاش بالنيابة، ولا يفترض أن يقودها أحد سواك، ولا أن يضاء فيها أحد أكثر من صاحبها الحقيقي.
وحين يتأخر الإنسان في استعادة دوره، لا يكون السبب دائما ضعفا أو ترددا؛ بل أحيانًا خوف مغلف باللطف، وخسارة متنكرة في هيئة رضا. يخاف أن يتهم بالأنانية إن اختار نفسه، أو بالقسوة إن وضع حدا، فيواصل العيش بدور مستعار، ظنا منه أن التضحية الدائمة بطولة، حتى يكتشف متأخرا أن البطولة الحقيقية تبدأ حين لا تخون ذاتك باسم الآخرين.
حين يبالغ الإنسان في منح الآخرين أدوار البطولة في حكايته، لا يخسر الآخرين؛ بل يخسر نفسه داخل المشهد. فيبدأ يومه محاولا ضبط إيقاعه على رغبات غيره، وينهيه مقتنعا بأن الأمور مضت "كما يجب"، بينما كلمة "يجب" لم تكتب له أصلا.
وهنا يحدث التغير الأخطر: أن تعتاد الدور الخطأ حتى يبدو مألوفا، وأن يصبح الغياب عن ذاتك حالة طبيعية لا تثير القلق. لا لأنك بخير؛ بل لأنك تعلمت كيف تسكت صوتك الداخلي، وكيف تبرر انطفاءك بحجج تبدو ناضجة، بينما هي في حقيقتها تنازلات صغيرة تراكمت حتى صارت حياة كاملة لا تشبهك.
حين تُعيد الناس إلى مواقعهم الحقيقية في قصتك، لا تقصيهم؛ بل تنصف المشهد حتى يبدو أصدق، وتنصف نفسك حتى تبدو أوضح. وتسمح لذاتك أن تكون النجم الطبيعي الذي يقود حكايته، لا لأن الخوف اختفى؛ بل لأنك توقفت عن منحه المقعد الذي تدار منه الحكاية.
الإنسان الذي يعتنق بطولة قصته لا يعيش بلا خوف؛ بل يعيش بلا ضياع داخل الدور الخطأ. لا يبحث عن مشهد خال من العثرات؛ بل عن مشهد خال من الضياع، لأن الضياع لا يأتي من الخطأ؛ بل من تكرار المشاهد التي لا تحملك أنت في جوهرها.
والسؤال الذي يستحق أن يطرح، لكل من يقرأ هذه السطور الآن:
هل أنت بطل قصتك فعلًا، أم ما زلت تعيش حياة كتبها غيرك؟
