◄ الجساسي: ضرورة توسيع صلاحيات المُحافظين لتمكين اللامركزية
◄ الشعيلي: المجالس البلدية مُطالبة بدور أكبر في رسم السياسات المحلية واتخاذ القرار
◄ البلوشي: اللامركزية تُسهم في تحقيق تنمية أكثر توازنًا وعدالةً
◄ المقرشي: إشراك المجتمع المحلي في التخطيط يعزز من قيمة المشروعات التنموية
◄ اليعقوبي: النظام الإداري في عُمان يشهد تحولًا نوعيًا في عهد "النهضة المُتجددة"
الرؤية- ناصر العبري
أجمع عددٌ من المختصين والمهتمين بالشأن العام أن نهج اللامركزية يرسم مسارًا نوعيًا لمسيرة التنمية الشاملة والمستدامة في سلطنة عُمان، مؤكدين أن هذا النهج يدعم الجهود الوطنية لتذليل التحديات وتسريع وتيرة إنجاز المشروعات.
وقال الدكتور عبدالله بن حمد الجساسي إن الحديث عن اللامركزية يستلزم الوعي بمفهومها الصحيح الذي يجب أن يحقق نموذجًا يَمنح الصلاحيات ويعزز اتخاذ القرارات بعيدًا عن السلطة المركزية، وذلك من خلال نقل الصلاحيات من مركز القرار المعتاد في العاصمة إلى باقي المحافظات، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي من ذلك يتمثل في تقريب وتقليل عبء الإجراءات وتخطي مشكلة البيروقراطية المقيتة. وتحدث الجساسي لـ"الرؤية" حول كيفية تطوير وتنمية المحافظات، وقال إنه يتعين اختيار المسؤولين الاكفاء القادرين على إدارة المحافظات وتطويرها وتنميتها، مع الأخذ في عين الاعتبار تعديل القوانين والتشريعات بما يحقق لهم الحرية في اتخاذ القرارات، بجانب صياغة القوانين بما يضمن مساعدة المحافظ على اتخاذ ما يتوجب من قرارات في نطاق اختصاصاته، بالتوازي مع تطبيق المحاسبة والرقابة على أداء المحافظين ومدى تقدمهم في تنمية المحافظة في جميع القطاعات.
وأوضح الجساسي أن هذا كله لا يتأتى إلّا من خلال إعطاء المحافظين صلاحيات أوسع، في صورة استقلال إداري ومالي شامل، مع ضرورة تمويل المشاريع وتوزيع الثروات بين المحافظات بما يحقّق عدالة التوزيع. وأشار كذلك إلى أهمية التمويل المتوازِن الذي يجمع بين إيرادات الدولة وثروات المحافظة، ومنح المحافظة صلاحيات مشروطة من خلال القدرة على الاقتراض المحلي للمشاريع التنموية، حتى يستطيع المحافظ العمل بما يُحقِّق التنمية في المحافظة.
وحث الجساسي على إشراك المواطنين في تحديد أولويات المشاريع وآلية صرف الموارد دون التفرُّد بالقرارات، علاوة على ضرورة بناء القدرات المحلية وتأهيل الكوادر الوطنية من خلال برامج تدريبية للعاملين في الإدارة المحلية ودعم المبادرات الشبابية ووضعها محل اهتمام المحافظ. وأكد أنه يتعين على المحافظ أن يسعى الى تقليص أعداد الباحثين عن عمل من خلال زيارة الشركات الكبرى ومتابعة تطبيق القوانين التي تحقق نسب التعمين الصحيحة، وعدم الضغط على الشركات الصغيرة والمتوسطة لحل هذه المشكلة.
تعزيز الصلاحيات
وقال سنيدي بن حميد الشعيلي عضو سابق في المجلس البلدي بالظاهرة، إن اللامركزية تعد أحد أبرز المفاهيم الادارية الحديثة التي تقوم على نقل الصلاحيات واتخاذ القرار، من المركز الى المستويات المحلية؛ بما يُتيح للمحافظات ادارة شؤونها التنموية وفق احتياجاتها الفعلية وخصوصيتها الجغرافية والاجتماعية. وأضاف أن اللامركزية ليست مجرد توزيع إداري للمهام؛ بل هي نهج متكامل يُعزِّز الكفاءة ويقرب القرار من المواطن ويجعل التنمية أكثر عدالة واستدامة. ويرى الشعيلي أن تطوير نظام المحافظات لا يمكن أن يتحقق بصورة فعّالة ما لم يُعاد الاعتبار لدور المجالس البلدية؛ باعتبارها حلقة الوصل بين المواطن وصانع القرار، مشيرًا إلى أن دور هذه المجالس حاليًا ما يزال محدودًا وأحيانًا مهمشًا؛ الأمر الذي أوجد فجوة واضحة بين تطلعات المجتمع المحلي والقرارات المتخذة على أرض الواقع.
وأضاف أن إشراك المجالس البلدية بشكل فعلي في رسم السياسات المحلية واتخاذ القرار- لا سيما في القضايا الخدمية والتنموية- من شأنه أن يُعزِّز الشفافية ويرفع مستوى الرضا المجتمعي ويضمن أن تكون المشاريع المُنفَّذة نابعة من احتياجات حقيقية لا من اجتهادات فردية أو قرارات معزولة، كما إن تنمية المحافظات تتطلب زيادة المخصصات المالية لبعض المحافظات خصوصًا في مجالات البنية الأساسية؛ بما يحقق التوازن التنموي ويحد من الفجوات بين المحافظات.
وشدد الشعيلي على أن التنمية العادلة لا تعني التساوي في الانفاق، بقدر ما تعني الانصاف في توزيع الموارد وفق الاحتياج، لافتًا إلى أن من الجوانب المهمة تعزيز اشراك المجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ والاستعانة بالخبرات الفنية والتخصصية؛ حيث إن انفراد بعض المحافظين أو المسؤولين في الإدارات المحلية باتخاذ القرار دون الرجوع الى المختصين او اصحاب الخبرة، قد يؤدي الى قرارات غير دقيقة أو مشاريع لا تحقق أهدافها المرجوة.
وأكد الشعيلي أن المواطن لا يبحث عن قرارات مكتبية أو تصريحات إعلامية؛ بل عن مشاريع قائمة وبنية أساسية متطورة وخدمات تُحسِّن من جودة حياته. وقال: "المتابع لا يكاد يلمس إنجازًا حقيقيًا ذا أثر مباشر يُنسب إلى بعض القيادات المحلية؛ الأمر الذي يثير تساؤلات مشروعة حول آليات التخطيط وأولويات الصرف، ومدى الاستفادة من الطاقات والخبرات المتاحة داخل المجتمع". وأضاف الشعيلي أن التنمية الحقيقية ثمرة عمل جماعي تشاركي، يؤمن بأن صوت الجماعة أصلح وأبقى، وأن الحكمة تتكامل بتعدد الآراء لا بانفرادها، مشيرًا إلى أن مستقبل المحافظات وتنميتها المستدامة مرهونٌ بترسيخ هذا المفهوم وجعله ممارسة فعلية لا مجرد شعار.
تحسين كفاءة الأداء
وقال رجل الأعمال سليم بن مطر البلوشي إن اللامركزية لا تعني إضعاف دور المؤسسة المركزية؛ بل على العكس، تعد وسيلة لتعزيز الحكومة الرشيدة من خلال توزيع الأدوار بوضوح، وربط الصلاحيات بالمساءلة، وتحقيق تنمية أكثر توازنًا وعدالة بين المحافظات؛ بما يضمن تحسين كفاءة الأداء الحكومي، وتسريع اتخاذ القرار، وتعزيز الاستجابة لاحتياجات المواطنين.
وأضاف أن نظام المحافظات يشكّل إطارًا تنظيميًا يدعم هذا التوجه؛ حيث منح المحافظات أدوارًا واضحة في تنمية الموارد المحلية، والترويج للفرص الاستثمارية، وتحسين الخدمات البلدية، والمساهمة في خلق فرص عمل للمواطنين. وتابع القول إن هذا التوجه يتكامل بشكل مباشر مع مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، خاصةً في محور الحكومة والأداء المؤسسي الذي يركز على رفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة، وتبسيط الإجراءات، وتعزيز اللامركزية الإدارية والمالية بشكل مدروس. إن تطوير نظام المحافظات يتطلب الانتقال من التطبيق الشكلي للامركزية إلى ممارسة فعلية قائمة على وضوح الصلاحيات وتكامل الأدوار بين الجهات المركزية والمحلية.
وأوضح البلوشي أن أي تداخل في الاختصاصات أو غموض في مسارات اتخاذ القرار، قد يحدّ من فاعلية التنمية المحلية، داعيًا على ضرورة تحديد مسؤوليات كل مستوى إداري بدقة، مع منح المحافظات مساحة أوسع للتخطيط والتنفيذ، في إطار سياسات وطنية عامة تضمن وحدة التوجه وتكافؤ الفرص. وقال: "يُعد التمكين المالي للمحافظات إحدى أهم ركائز نجاح اللامركزية؛ حيث إنَّ نقل الصلاحيات دون توفير موارد مالية كافية يُفرغ المفهوم من مضمونه، ويشمل ذلك تخصيص موازنات تنموية مرتبطة بأهداف واضحة ومؤشرات أداء قابلة للقياس، إلى جانب تمكين المحافظات من استثمار مزاياها النسبية، سواء في السياحة، أو الزراعة، أو الثروة السمكية، أو الأنشطة اللوجستية؛ بما ينسجم مع توجهات التنويع الاقتصادي التي أكدت عليها رؤية عُمان 2040". وأشار إلى أن من الجوانب الجوهرية بناء القدرات البشرية والإدارية في المحافظات، معتبرًا أن نجاح اللامركزية لا يعتمد فقط على القوانين والأنظمة، وإنما على كفاءة الكوادر القادرة على التخطيط وإدارة المشاريع، ومتابعة التنفيذ، وتقييم الأثر التنموي.
وشدد على أن الاستثمار في التدريب والتأهيل وتطوير نظم العمل، يُعد عنصرًا أساسيًا لضمان جودة المخرجات وتحقيق الأهداف المرجوة، لافتًا إلى أن التنمية المطلوبة في المحافظات، لا ينبغي أن تقتصر على تنفيذ مشاريع بنية أساسية متفرقة؛ بل يجب أن تقوم على رؤية تنموية متكاملة تركز على تحسين جودة حياة المواطنين. وقال إن ذلك يشمل توفير فرص عمل مستدامة، وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، وتطوير البنية الأساسية، وتعزيز قابلية المدن والولايات للعيش، إلى جانب دعم الاقتصاد المحلي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ باعتبارها محركًا رئيسيًا للتنمية المجتمعية. وشدد على أن اللامركزية تمثل أداة استراتيجية لتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة في المحافظات، إذا ما طُبِّقت ضمن إطار حوكمة واضح، وتمكين مالي وإداري حقيقي، ومشاركة مجتمعية فاعلة.
تمكين المجالس المنتخبة
من جانبه، قال المحامي الدكتور نبهان بن سهيل المقرشي إن اللامركزية تسهم في تخفيف الضغط على الحكومة المركزية، وتعمل على تطوير نظام المحافظات والتنمية فيها من خلال تعزيز الصلاحيات، التي تتضمن منح المحافظين صلاحيات فعلية في اتخاذ القرار، وتمكين المجالس المنتخبة، وإشراك المجتمع المحلي في التخطيط والتنفيذ وتحسين البنية الأساسية مثل الطرق والتعليم والخدمات الصحية، والعمل على التوزيع العادل للميزانيات وفقًا لاحتياجات كل محافظة، فضلًا عن الاستثمار في الموارد المحلية عبر دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وقال رجل الأعمال عبيد بن محمد بن حمد اليعقوبي إن اللامركزية الإدارية تعد نهجًا إداريًا حيويًا لتعزيز التنمية المحلية، مشيرًا إلى أن هذا النهج في سلطنة عُمان يمثل ركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040"، والتي تستهدف تمكين المحافظات لتكون فاعلًا رئيسيًا في عملية التنمية الشاملة. وأضاف اليعقوبي أن النموذج العُماني يركز على تعزيز اللامركزية الإدارية والمالية؛ حيث أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على ترسيخ "مبدأ اللامركزية سواء في التخطيط أو التنفيذ، ولتمكين المجتمع المحلي من إدارة شؤونه".
أما فيما يتعلق بتطوير نظام المحافظات والتنمية فيها، ذكر اليعقوبي أن النظام الإداري في يشهد عُمان تحولًا نوعيًا نحو تعزيز استقلالية المحافظات، لافتًا إلى إمكانية تطوير هذا النظام من خلال تعزيز الاستقلال الإداري والمالي، وتبني التخطيط الاستراتيجي الشمولي، والاستثمار في رأس المال البشري الوطني، علاوة على ترسيخ الشراكة المجتمعية وتبني الشفافية والمساءلة.
