اليمن.. قيامة وطن وصناعة مجد لا يغيب

 

 

 

محمد بن علي بن ضعين البادي

على حواف التاريخ، وحيث تشرق الشمسُ من بين شقوقِ سد مأرب، وتتعامد على شموخ مآذن صنعاء وقمم ردفان، يقف اليمن اليوم كطائر الفينيق الأسطوري؛ ينفضُ عن كاهله غبار القرون، ويأبى إلا أن يبعثَ من رماد الصراع حيًا، جليلًا، وعظيمًا. إنها "العربية السعيدة" التي لم تكن يومًا مجرد بقعة جغرافية؛ بل كانت "مستودع الحضارة" الأول، ومهد الإرادة التي علّمت البشرية كيف تُطوّع الصخر، وكيف تخلق من القحط جناتٍ تجري من تحتها الأنهار.

لقد ظل اليمن لآلاف السنين هو المركز الذي تشعُّ منه القوافل، والقلب الذي يضخُّ الحكمة في عروق الجزيرة العربية. بيد أنَّ ما حلّ به في العقود الأخيرة لم يكن مجرد أزمة سياسية عابرة؛ بل كان محاولةً لتغييبِ وعي الأمة بهويتها. لقد تكالبت عليه صروفُ الدهر، وتداخلت في شؤونه الأيادي حتى كاد الحلمُ اليمني أن يتبخر في دهاليز الانقسام.

لكنَّ المأساة الحقيقية لا تكمن في الجدران التي تهدمت؛ بل في الرؤوس التي انحنت للفتنة. وهنا يجب أن ندرك: أنَّ وطنًا أقام دول سبأ وحِمْيَر وقتما كان العالم غارقًا في دياجير الظلام، لا يمكن أن يُختزل اليوم في مشهد ركام؛ فالمعدنُ اليماني أصيلٌ، لا يزيده طرقُ الأزمات إلا صلابةً ولمعانًا.

إن تشخيص الداء هو أولى عتبات الدواء؛ فالتدخلات الخارجية التي استباحت الأرض والإنسان لم تكن لتمتد لولا التصدعُ في جدار البيت الداخلي. إننا اليوم أمام لحظة مكاشفة تاريخية: لا لومَ يقعُ على الخارج إذا لم يجد الداخلُ مآبًا. السيادة اليمنية ليست "صكًا" يُمنح في أروقة المنظمات الدولية؛ بل هي "عقدٌ اجتماعي" يُكتب بمداد التضحية والوحدة بين أبناء الوطن الواحد.

إن الوحدة التي نرتجيها ليست مجرد شعارٍ سياسي؛ بل هي "وحدة المصير"؛ فاليمنيون حين يتحدون، يغيرون مجرى التاريخ، وحين يتفرقون، يدفعون ضريبةً باهظة من دماء أجيالهم. إن القوى الإقليمية والدولية لن تحترم إلا يمنًا قويًا بقرار أبنائه، متماسكًا تحت لواء مصلحته الوطنية العليا.

اليمن اليوم في مخاضٍ عظيم، وهو بانتظارِ إرادةٍ صلبةٍ تُخرجُه من ضيقِ الصراع إلى سعةِ البناء. نحن بحاجة إلى قيادةٍ لا ترى في السلطة مغنمًا؛ بل ترى فيها "أمانةً حضارية"؛ قيادةٍ تستلهمُ حكمة "تُبّع" وحنكة "بلقيس"، وتوظفُ عبقرية الإنسان اليمني في التكنولوجيا والعلم والعمران.

القيادةُ الحقة هي التي ترفعُ الغبار عن الوجوه المتعبة، وتستعيدُ ثقة المواطن بدولته، وتجعلُ من التنوع الثقافي والجغرافي لليمن مصدر قوةٍ لا بؤرة نزاع. إن الهدف ليس مجرد وقف إطلاق النار؛ بل "إطلاق طاقات البناء" التي كُبلت طويلًا.

إنَّ قيامة اليمن "حتميةٌ كونية"؛ فالوطن الذي ولد فيه التاريخ لا يمكن أن يموت. إننا أمام ضرورة تاريخية تتجاوز الحاضر لتستقر في عيون الأجيال القادمة. النهوض اليمني سيعيد للجزيرة العربية توازنها، وللعروبة كرامتها، وللعالم وجهةً سياحية وحضارية لا مثيل لها.

يا أبناء اليمن، ويا أُمَّة العرب.. إن اليمن لا يستجدي اليوم عودةً للحياة؛ بل يفرضُ سطوته التاريخية من جديد. ومع كلِ فجرٍ يطلُّ على "جبل نقم" أو يداعبُ "شواطئ عدن"، وفي ختام القول، ورغم ما يعصف باليمن من تقسيم وتشظٍّ، سيبقى الوطن أكبر من كل جرح، وأقوى من كل مخطط؛ فاليمن ليس خريطة تُقطع؛ بل روح واحدة؛ إن انكسرت اليوم، نهضت غدًا، موحدةً، عصيةً على الزوال، كما أرادها التاريخ وكما يستحقها أبناؤها.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z