حمود بن سعيد البطاشي
في إطار الجهود الوطنية التي تضطلع بها وزارة الإسكان والتخطيط العُمراني لتنظيم التَّنمية العُمرانية وتحقيق الاستقرار السكني للمُواطنين، يظل ملف صرف الأراضي السكنية من أكثر الملفات حساسية وتأثيرًا في حياة الأفراد والمجتمع، لما يمثله من ارتباط مُباشر بالأمان الأُسري، والاستقرار الاجتماعي، والتنمية المُستدامة.
فالأرض السكنية، في جوهرها، ليست مجرد إجراء إداري يُستكمل أو طلب يُغلق، بل هي أداة تمكين حقيقية، يُفترض أن تُمكّن المواطن من البناء والاستقرار، وتفتح أمامه آفاق الحياة الكريمة ضمن بيئة آمنة ومخططة. غير أنَّ الملاحظة الميدانية في بعض المحافظات تُشير إلى وجود حالات صرف أراضٍ سكنية خارج المخططات المعتمدة، وفي مواقع تتسم بوعورة جغرافية بالغة، تشمل منحدرات شديدة الخطورة أو أراضي جبلية صخرية، تتطلب أعمال تسوية وقصّ وردم وترصيص بتكاليف مُرتفعة.
وهنا يبرز تساؤل مشروع: هل تظل الأرض في مثل هذه الحالات وسيلة تمكين، أم تتحول- دون قصد- إلى عبء مالي وإنشائي يثقل كاهل المُواطن، ويؤخر مشروعه السكني سنوات طويلة؟
ومن باب الإنصاف والموضوعية، لا يُمكن النَّظر إلى هذه الحالات بوصفها نهجًا مُؤسسيًا أو توجّهًا عامًا للوزارة؛ فسياسات وزارة الإسكان والتخطيط العمراني معروفة بوضوحها، وتستند إلى أُطر تنظيمية وتشريعية تهدف إلى تحقيق العدالة التخطيطية، وضمان سلامة المواقع، وحماية المستفيدين. وعليه، فإنَّ ما يُلاحظ في هذا السياق يُفهم- في تقدير كثيرين- على أنه ممارسات تطبيقية فردية، قد تنشأ في مرحلة التقييم الميداني، ولا تعكس التَّوجه الرسمي للوزارة كمُؤسسة.
إنَّ الدور المناط بالمكلفين بالزيارات الميدانية يتجاوز كونه إجراءً شكليًا، ليكون مسؤولية مهنية دقيقة، تتطلب تقييمًا شاملًا لطبيعة الأرض، وملاءمتها للبناء السكني، وكلفة تأهيلها، ومدى سلامتها على المدى القريب والبعيد. فحين تُصرف أرض في موقع يتطلب آلاف الريالات لأعمال التهيئة قبل وضع أساس البناء، فإنَّ المُواطن يجد نفسه أمام تحدٍ لم يكن في حسبانه عند استلامه للأرض.
وقد يُقال إنَّ المُواطن هو من اختار الموقع، غير أنَّ هذا الافتراض- إن وُجد- لا يلغي حقيقة أن المواطن غالبًا لا يمتلك الخبرة الفنية لتقدير تكاليف قصّ الجبال أو مخاطر الانجراف أو الأثر المستقبلي للطبيعة الجغرافية للموقع. وهو، بطبيعة الحال، يتعامل بثقة مع الجهات المختصة، على أساس أنَّ الأرض المعروضة قد خضعت لتقييم فني يراعي مصلحته وقدرته.
وفي مثل هذه الحالات، قد تتكون لدى المواطن قناعة بأن الأرض لم تحقق له الغاية المرجوة منها، وأنها لم تكن أداة تمكين بالمعنى العملي، بل أصبحت عبئًا مؤجلًا، يرافقه لسنوات دون أن يتمكن من الاستفادة منها فعليًا. وهذا الشعور، إن تُرك دون معالجة، قد ينعكس سلبًا على ثقة المستفيدين بالإجراءات، رغم سلامة الإطار المؤسسي العام.
ومن هنا، تبرز أهمية تعزيز الرقابة على مراحل التقييم الميداني، وتوحيد معايير صرف الأراضي، وربط القرار الفني بتقارير دقيقة وموثقة تأخذ في الاعتبار طبيعة الأرض، وكلفة تهيئتها، وقدرة المواطن الواقعية على البناء. كما أن مراجعة الحالات التي صُرفت فيها أراضٍ في مواقع غير ملائمة، والنظر في معالجتها ضمن الأطر القانونية المتاحة، يُعد خطوة إيجابية تعزز ثقة المواطن، وتؤكد أن الهدف من منح الأرض هو التمكين الحقيقي لا الاكتفاء بالإجراء.
إن طرح هذه الملاحظات يأتي في سياق الرأي العام الإصلاحي، وبدافع الحرص على نجاح السياسات الإسكانية واستدامة أثرها، لا من باب النقد أو الاتهام. فتصحيح المسار، حين تدعو الحاجة إليه، يُعد علامة نضج مؤسسي، ودليلًا على حرص الجهات المختصة على تطوير أدواتها وتحسين مخرجاتها.
وفي الختام.. تبقى الأرض السكنية أحد أهم مقومات الاستقرار، ويبقى التحدي قائمًا في ضمان أن تكون دومًا وسيلة تمكين حقيقية، لا عبئًا إضافيًا. وهو هدف مشترك تتقاطع عنده مصلحة المواطن مع رؤية وزارة الإسكان والتخطيط العمراني، في بناء مستقبل عمراني متوازن وآمن يخدم الجميع.
