صرفيت "خط أحمر"

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

ليس من المقبول، سياسيًا ولا وطنيًا ولا أخلاقيًا، ولا بأي صورة أو طريقة كانت، أن يُذكر اسم صرفيت في خطاب تعبوي صادر عن أي طرف يمني، أكان رسمياً أم غير رسمي، تحت أي ذريعة كانت، وليس مسموحًا، ومرفوضًا بقوة أن يتحدث باسم صرفيت أو أي ذرة تراب عُمانية غير السلطات العُمانية.

فحين يخرج عيدروس الزبيدي رئيس ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن"، ليقول بوضوح "من البحر الأحمر إلى البحر العربي شرقًا، إلى صرفيت"، فإنَّ الأمر يتجاوز حدود البلاغة السياسية والتعبوية لأفراده ومناصريه، ويتحول إلى تطاول صريح على أرض عُمانية ذات سيادة كاملة، لا تقبل التأويل ولا المجاز ولا التساهل في الرد.

قد يُحاول البعض التقليل من شأن التصريح بالقول إنِّه خطاب غير رسمي أو شعارات تعبئة داخلية، لكن هذا التبرير يسقط لحظة تسمية المكان بالاسم؛ فالجغرافيا ليست استعارة، وصرفيت ليست فكرة في خطاب؛ بل أرض عُمانية قائمة، حدودها مُرسّمة، وسيادتها مثبتة بالدم والتاريخ والاتفاقيات الدولية. ومن يذكرها في سياق الدفاع حتى الموت إنما يُدخلها قسرًا في صراع لا شأن لعُمان به، ولا مصلحة لها فيه، وهو ما يُعد تجاوزًا خطيرًا لا يجوز ولا يُمكن السكوت عنه.

عُمان، التي اختارت منذ عقود نهج الحكمة والحياد وعدم الانجرار إلى صراعات الجوار، لم تفعل ذلك ضعفًا ولا تراجعًا عن حقوقها؛ بل قوة وثقة بالنفس وبالدولة وبمُؤسساتها. لكن الحياد لا يعني الصمت حين تُمسّ السيادة، وضبط النفس لا يعني التغاضي عن ذكر اسم أرض عُمانية في خطاب سياسي مأزوم. وهناك فرق جوهري بين عدم التصعيد، وبين ترك الأمور بلا تثبيت واضح للحق.

صرفيت ليست نقطة حدودية متنازعًا عليها، ولا منطقة رمادية يمكن أن تُدرج في خرائط خطابية فضفاضة، إنما هي أرض عُمانية خالصة، ارتوت بدماء أبناء عُمان الذين أدّوا واجبهم في حماية حدود وطنهم، وهي جزء من ذاكرة الدولة الحديثة، ومن تاريخها السيادي الذي لا يقبل العبث أو التلميح أو الإقحام. ومن هنا، فإنَّ ذكرها في أي سياق سياسي من أي كان، أكان من المجلس الانتقالي أو غيره، أمر مرفوض جملةً وتفصيلًا.

والأخطر من التصريح نفسه هو ما قد يترتب على السكوت عنه؛ ففي عالم السياسة، لا تُقاس الأمور بالنيّات؛ بل بالوقائع، ولا يُقرأ الصمت على أنَّه حكمة دائمًا؛ بل قد يُفسر خطًا أو عمدًا على أنه قبول ضمني أو تراجع عن الموقف. لذلك، فإنَّ الرد الإعلامي الهادئ والحازم ليس تصعيدًا، بل ضرورة سيادية، هدفها قطع الطريق على أي تأويل مستقبلي، وتثبيت حقيقة لا تقبل النقاش: صرفيت عُمانية، وستبقى عُمانية، وخارج أي خطاب أو مشروع أو صراع.

ليس مطلوبًا من عُمان أن تدخل في سجال مع أطراف غير معترف بها دوليًا، ولا أن تمنح تصريحاتها وزنًا أكبر من حجمها، لكن من الواجب الوطني أن يُقال بوضوح: أراضي سلطنة عُمان ليست مادة للخطاب السياسي، ولا ساحة لتصفية حسابات الآخرين. ومن يطمح لبناء كيان أو دولة أو مشروع سياسي، فليبدأ باحترام حدود الدول القائمة، لا بتجاوزها لفظيًا ثم الاحتماء خلف توصيفات فضفاضة.

من مصلحة الجميع، بمن فيهم أبناء اليمن، أن تبقى عُمان خارج دائرة الاستقطاب، وأن تُحترم سيادتها وحدودها ودورها المتزن. وأي مُحاولة لجرّها ولو بالكلام إلى معادلات الصراع، هي إساءة للاستقرار الإقليمي، قبل أن تكون إساءة لعُمان نفسها. لذلك، فإنَّ الرد على مثل هذا التصريح ليس حقًا فقط؛ بل واجب وطني وإعلامي، يضع الأمور في نصابها الصحيح، دون تهويل، ودون تهديد، ولكن أيضًا دون تهاون.

ختامًا.. قد تكون الكلمات في نظر قائلها مُجرد حماسة لحظة، لكنها في ميزان الدول مواقف تحسب، وتسجل، ويبنى عليها. وصرفيت، التي ذُكرت بالاسم، تستوجب ردًا بالاسم، وبالوضوح نفسه، وبالحزم ذاته: هي أرض عُمانية وستظل كذلك ولا يملك أحد غير عُمان حق ذكرها إلّا بوصفها ما هي عليه: جزءٌ لا يتجزأ من سيادة دولة مستقلة ومحترمة.

الأكثر قراءة

z