حسين الراوي
في ليلةٍ باردةٍ من يناير عامَ 1981، كان الملاكمُ محمّد علي يجلس في منزله في لوس أنجلوس يُشاهد التلفاز، حين انقطع البثُّ فجأةً لخبرٍ عاجلٍ: شابٌّ يقف على حافةِ مبنىً مرتفعٍ، يُهدِّدُ بالقفز، والشرطةُ تُحاول إقناعه بالنزول، والجمهورُ ينظر بعيونٍ مشدوهةٍ.
لم يتردَّدْ محمّدٌ عليٌّ لحظةً واحدةً، فقام على الفور وارتدى معطفه، ثم صعد إلى سيارته، وتوجَّه مسرعًا إلى ذلك المبنى. لم يذهب محمّد علي من أجل الشهرة، ولا الكاميرات؛ بل لأنَّه رأى في قلبه واجبًا إنسانيًّا يُلزمه أن يقوم به.
عندما توقَّفت سيارته، صعد محمّدٌ عليٌّ إلى سطح المبنى بخطواتٍ هادئةٍ، وبدأ الحديث مع الشابِّ الذي كان اسمه جو.
تحدَّث إليه بصوتٍ هادئٍ، بكلماتٍ بسيطةٍ لكنها مليئة بالصدق:
"أنت أخي… حياتك غالية، وأنا هنا لأساعدك".
قال جو: "أنا إنسانٌ بائسٌ، لا أريد الحياة، كلُّ شيءٍ أصبح قاسيًا".
قال محمّدٌ: "كلُّنا لدينا مشاكل، لا توجد حياةٌ بلا صعوباتٍ، ونحن وُجدنا لنُساعد بعضنا. أرجوك لا تدعِ اليأسَ يسيطر على عقلك ويُعمي عينيك، سوف أُقدِّمُ لك المساعدة، ولن أتخلّى عنك".
لم تكن هناك كاميراتٌ ولا أضواءٌ، ولا تصفيق، مجرّدُ رجلٍ يقف بجانبِ آخرَ على حافةِ الخطر، يحمل قلبَه بالكامل.
تردَّد جو ثم فكّر وتأمّل في نفسه وفي الحافةِ وفي الناس الذين تجمهروا، ثم تراجع خطوةً إلى الوراء، خطوةً نحو الحياة، فنظر في عيونِ محمّدٍ عليٍّ ثم استسلم له.
لم يكتفِ محمّدٌ عليٌّ بإقناعه فحسب، بل رافقه إلى سيارته، وأوصله إلى المستشفى ليطمئنَّ على سلامته.
في تلك اللحظة، كان واضحًا للجميع أنَّ الشجاعةَ الحقيقية ليست فقط في القوةِ البدنيةِ وجَبَرُوتِ القبضة، بل في القدرةِ على إنقاذِ حياةِ إنسانٍ آخر.
ساعد الملاكمُ محمّدٌ عليٌّ ذلك الشابَّ جو، حيث دفع عنه كلَّ ديونه، وسدَّد إيجارَ شقّته لعدةِ سنواتٍ، وقدَّم له مبلغًا ماليًّا.
محمّدٌ عليٌّ لم يكن يومها بطلَ الحلبةِ فقط، بل بطلَ الإنسانيّة. وقد قال يومًا:
"خدمةُ الآخرين هي الإيجارُ الذي تدفعه مقابل إنسانيّتِك على هذه الأرض".
