الشارقة.. رحلة بين عمق مليحة وضوء "مهرجان تنوير" وبيت الحكمة

 

 

 

◄ منتزه مليحة الوطني.. صحراء تحمل أكثر من 210 آلاف عام من التاريخ

◄ تنوير الشارقة.. الضوء يتحوّل إلى لغة وفن

◄ بيت الحكمة.. صرح يرفع المعرفة إلى ضوء السماء

 

الشارقة – فايزة سويلم الكلبانية

 

عندما هبطت الطائرة في مطار دبي الدولي، شعرتُ أنني أسافر نحو ضوء لا يشبه أي ضوء آخر... كانت ردهات المطار في الصباح المبكر تنبض بالحركة، وكأن المدينة تستعد لكتابة فصل جديد في ذاكرة الزائر... استقبلنا فريق مكتب إعلام إمارة الشارقة بحفاوة منظمة تشبه دقة المكان ورحابته، ومن هناك بدأنا رحلتنا إلى قلب الثقافة العربية… إلى الشارقة.

كان الطريق إلى فندق سنترو أشبه بعبور بين عالمين؛ المدينة التي تستيقظ على زحمة الحياة، والشارقة التي تحتفظ بملامحها الهادئة وهي تحتضن البحر والمعمار الراقي. وعند الوصول، بدأتُ أشعر أن الرحلة لن تكون مجرد زيارة، بل حكاية مكتوبة بالدهشة والتاريخ.

منتزه مليحة الوطني

يُعد منتزه مليحة الوطني أحد أبرز المشاريع التي تتماشى مع رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لحماية التراث والحفاظ على البيئة الطبيعية، تأسس المنتزه بهدف تحويل صحراء مليحة إلى موقع وطني يوازن بين الحفاظ على الطبيعة والاستدامة، ويجسّد أهمية التراث البشري والجيولوجي في المنطقة.

يقع المنتزه في منطقة الفاية المدرجة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي، ويحتوي على مكتشفات أثرية تعود إلى أكثر من 210 آلاف عام، تشمل أدوات حجرية، مستحاثات بحرية، ومقابر قديمة تحكي قصة تعاقب الحضارات التي استوطنت المكان منذ القدم، كما تضم المنطقة تكوينات جيولوجية فريدة تعود إلى 93 مليون عام، توثق امتداد المحيط القديم وأجناسًا من الحيوانات المنقرضة، لتقدم للزائر نافذة على تاريخ الأرض قبل الإنسان.

يتميز المنتزه بنظامه البيئي الصحراوي المتكامل، حيث يوازن بين حماية الحياة البرية والتكوينات الطبيعية، مع تنظيم الأنشطة السياحية والترفيهية بشكل مستدام، ويقدّم للزوار تجارب فريدة تمزج بين المغامرة والمعرفة والطبيعة، من خلال برامج تعليمية ومعارض تفاعلية، تعكس تاريخ الشارقة وتبرز أهمية الحفاظ على التراث البيئي والثقافي.

في مليحة، كل حجر وكل تلّ، وكل أثر قديم، يشهد على رحلة الأرض والإنسان معًا، ويمنح الزائر فرصة للاكتشاف والتأمل في عمق الزمن.

ليلة تتوهج بالسكينة

مع الغروب، أُعد لنا عشاء صحراوي وسط الطبيعة، حيث النار تشتعل بلطف والسماء معلّقة كقبة من النجوم، كانت تلك الليلة أشبه بمشهد من رواية عربية قديمة، حيث يتقاطع التاريخ مع السكون، والحكايات مع رائحة الرمل البارد، ووجود جهاز التلسكوب الذي يسمح برؤية النجوم.

في المساء التالي، توجهنا إلى مهرجان تنوير الشارقة، الحدث الذي يحوّل الإمارة إلى لوحة ممتدة من الفن والضوء، لم يكن المهرجان مجرد عروض بصرية، بل تجربة تفاعلية تضع الزائر في قلب السؤال: كيف يمكن للنور أن يكون رسالة ثقافية وفلسفية؟ وفي قلب فعاليات المهرجان الذي جاء برعاية كريمة من سمو الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي المؤسسة وصاحبة رؤية المهرجان كان الجواب واضحاً أمام الجماهير وفي سطور كلمتها الافتتاحية والختامية أيضا، وفعاليات المهرجان.

تُضاء المباني والمعالم برسائل فنية مستوحاة من الإنسان والطبيعة والمعرفة، وتتداخل الألوان مع الإيقاعات في عروض ثلاثية الأبعاد تروي قصصًا عن الزمن والعلاقة بين الضوء والهوية. كان المهرجان أشبه بسفر بصري يحرّر العين من عادتها، ويمنح الذاكرة فرصة لتشهد ولادة مدينة تزداد إشراقًا كل عام.

بيت الحكمة

في اليوم الأخير، زرنا بيت الحكمة، المشروع الثقافي الذي أسسه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ضمن احتفالات الشارقة باختيارها عاصمة عالمية للكتاب 2019.

بيت الحكمة ليس مجرد مكتبة، بل مفهوم معماري وثقافي جديد، يستلهم روح “دار الحكمة” العباسية بأسلوب حديث يليق بعصر المعرفة.

المميزات المعمارية:

  • واجهات زجاجية واسعة تسمح للضوء الطبيعي بالانسياب عبر مساحات القراءة.
  • توازن بين الظل والضوء عبر مظلّات هندسية مبتكرة تمنح المكان روحًا من الهدوء.
  • حدائق محيطة تجعل الكتاب امتدادًا للطبيعة.

في الساحة الخارجية ترتفع مسلةٌ سامقة، رمز المكان وفكرته، تجسّد صعود المعرفة وتذكّر بأن الكلمة لا تُقرأ فقط… بل تُرفع مثل منارة تهدي السائرين.

أما داخل بيت الحكمة فنجد:

  • أكثر من 300 ألف كتاب في العلوم والآداب والفلسفة والفنون.
  • مكتبة للأطفال وكُتب مصوّرة.
  • قاعات مطالعة، مختبرات إبداعية، ومساحات للكتّاب والباحثين.
  • منصات عرض تحتفي بالمؤلفات الجديدة والكتب النادرة.

القراءة هنا ليست فعلًا معرفيًا فقط؛ بل حالة وجودية، وكأن المكان يدعوك لتصبح جزءًا من نص أكبر.

ختام الرحلة

كانت هذه الرحلة الإعلامية أكثر من مجرد تغطية، كانت سفرًا في طبقات الزمن بين صحراء مليحة التي تروي قصة الأرض، ومهرجان تنوير الذي يحوّل الضوء إلى لغة، وبيت الحكمة الذي يبني مستقبل المعرفة بحجر وكلمة.

الشارقة مدينة تُقرأ مثل كتاب مفتوح، وكل زيارة تمنحك فصلًا جديدًا… لا لتكتبه فقط؛ بل لتعيشه.

fe6a9406-c4f9-4def-8217-0c47a81d9016.jpeg
2614cad4-9ed0-4d0e-9111-51f77adc9117.jpeg
550c32f6-7fad-49b8-b8e9-38c7b1d642fe.jpeg
4ebebc80-bed2-4743-be74-1d3d294f133e.jpeg
 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z