أولياء الأمور والطلبة يشكون ارتفاع الأسعار وضعف الخدمات

خبراء لـ"الرؤية": عوامل عقارية واقتصادية متشابكة تُفاقم "أزمة السكن الطلابي"

الرؤية- الإسراء الرمحية

يشكو الكثير من الطلبة وأولياء الأمور، من ارتفاع أسعار السكن الجامعي وتدني مستويات الخدمة، مطالبين بإيجاد حلول سريعة تتناسب مع الظروف المعيشية للطلبة وأولياء الأمور، فيما عزا عدد من الخبراء- في تصريحات لـ"الرؤية- هذا الارتفاع إلى العديد من الأسباب الاقتصادية والعقارية، مُقدِّمين جملة من المقترحات التي تسهم في إيجاد حلول وتوفير حياة أفضل لطلبة الجامعات المغتربين.

وتقول الطالبة سارا بنت محمد المخينية إنَّ السكنات في مسقط تتشابه في الكثير من الأمور مثل ضعف الخدمات وارتفاع الأسعار إلى جانب نظام العقود الجديد الذي يلزم الطلبة بدفع الإيجار السنوي في فترة الإجازة، مضيفة: "في البداية سكنت في غرفة ثنائية ضيقة بأثاث متهالك وصيانة متأخرة، ثم انتقلت إلى غرفة مفردة أبعد قليلًا عن الجامعة، فكانت أنظف نوعًا ما وأكثر استقرارًا، لكن بعد المسافة زاد من مصاريف المواصلات، وفي النهاية وجدت أن التكلفة متقاربة رغم اختلاف الجودة".

وتشير الطالبة آية بنت عبد الله النوفلية إلى ارتفاع الأسعار رغم قدم المباني والصيانة المحدودة، مبينة أن بعض أصحاب السكنات يقدمون وعودًا لأولياء الأمور بوجود متابعة مستمرة للبلاغات وإشراف دائم، لكنها تختفي بمجرد توقيع العقود.

وتذكر الطالبة سارة بنت سعيد الغافرية أن إيجار الفرد لا يقل عن 60 ريالا عمانيا وهذا لا يتناسب مع إمكانيات الطلبة، إضافة إلى أن بعض السكنات لا توجد في مناطق خدمية ولا يوجد بها صيانة متواصلة، مبينة: "المكيفات قديمة ولا تعمل بكفاءة، والأسِرّة الحديدية غير مريحة، كما يفتقر السكن لوجود مشرفة توفِّر الأمان، وهناك سكنات تحاول تقديم بيئة أفضل بتنظيم فعاليات متنوعة وتوفير نقل للطالبات، لكنها قليلة مقارنة بعدد السكنات التي تفتقر إلى أبسط سبل الراحة."

وتوضح الطالبة مريم البريكية أن أسعار السكنات القريبة من الجامعات تجاوزت حدود المعقول والخدمات لا توازي ما يدفعه الطلبة، مؤكدة: "نعاني من انقطاعات متكررة في الماء والكهرباء، وأحيانًا نعود من المحاضرات لنجد التيار مقطوعًا لساعات طويلة، واضطررت للانتقال أكثر من مرة بسبب سوء الخدمات وارتفاع الإيجارات، فصرنا ندفع أكثر للمواصلات أيضًا."

وتحكي الطالبة دعاء بنت سعيد الغافرية تجربتها في إحدى سكنات نزوى قائلة: "توقعت تجربة مريحة في سنتي الجامعية الأولى، لكني فوجئت ببيئة غير مناسبة للدراسة ومشرفات غير متعاونات وخدمات ضعيفة مقابل أسعار مرتفعة، كما أن مشاركتي الغرفة مع طالبات بشخصيات مختلفة جعل التفاهم صعبًا وأثر على راحتي النفسية، لم أستطع الاستمرار سوى فصل واحد قبل أن أقرر الانتقال من الجامعة بأكملها."

ويقول الأزهر بن محمد الحارثي، طالب جامعي بولاية عبري، إن العثور على سكن مناسب بات أمرًا صعبًا في ظل ارتفاع الأسعار وضعف مستوى النظافة واستغلال بعض المؤجرين، موضحًا أن ملاك السكنات يستغلون قربها من الجامعة لرفع الإيجارات.

كما يلفت إلى أن سكنه يبعد نحو 2 كيلومتر فقط عن الجامعة، ورغم ذلك يبلغ إيجار الشقة 150 ريالًا عمانيًا، على الرغم من قدم المبنى وافتقاره للخدمات الأساسية، مؤكدا أن المؤجرين لا يُبدون أي مرونة في الأسعار، مطالبًا بضرورة مراعاة ظروف الطلبة الذين لا تتجاوز مخصصاتهم الشهرية 90 ريالًا عمانيًا، لتمكينهم من الحصول على بيئة سكنية مريحة تساعدهم على التركيز في دراستهم بدلًا من الانشغال بتكاليف المعيشة.

ويشارك حمزة بن سالم الشعيلي، طالب جامعي بعبري، الرأي ذاته، موضحًا أن السكنات القريبة من الجامعة تُعرض بأسعار مرتفعة رغم ضعف الخدمات المقدمة، إذ لا تشمل غالبًا الماء والكهرباء، بل الصيانة فقط. ويضيف أن السكنات البعيدة تُعد أقل سعرًا، لكنها متهالكة وقديمة، مما يحدّ من الخيارات المتاحة أمام الطلبة، وأيضا الطلبة يواجهون ضغوطًا متزايدة مع ارتفاع الإيجارات وثبات العلاوة الشهرية.

حمزة بن سالم الشعيلي.jpg
 

ويقترح الشعيلي تعميم أسعار السكنات وتحديد سقف مناسب لها، مع فرض غرامات على الملاك المخالفين وفق تقييم رسمي يعتمد على حالة السكن ومستوى خدماته، مبينا أن قضية السكن الطلابي تمسّ معظم الطلبة الجامعيين وتستحق اهتمامًا أوسع من الجهات المعنية.

وفي السياق، يوضح الكاتب في الشؤون الاقتصادية الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي، أن ارتفاع أسعار سكن الطلبة يأتي نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية والعقارية، مشيرا إلى أن البيانات الرسمية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات أظهرت ارتفاع الرقم القياسي لأسعار العقارات السكنية بنسبة 7.3% خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما ارتفعت أسعار الشقق بنحو 17%، وسجّلت الأسعار العقارية في السلطنة عمومًا نموًا بنسبة 10.8% على أساس سنوي.

د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي.jpeg
 

ويضيف أنه رغم هذا الارتفاع، فقد تراجع عدد صفقات البيع العقاري بنسبة 2.5%، ما يشير إلى حاجة السوق إلى سيولة مالية أكبر لتحريك المبيعات في قطاع العقارات، مبينا أن من أبرز أسباب ارتفاع أسعار سكن الطلبة قلة العرض مقابل الطلب المتزايد، خصوصًا في العاصمة مسقط، نتيجة ازدياد أعداد الطلبة الجامعيين الملتحقين بمختلف الجامعات داخل السلطنة عامًا بعد عام، إذ بلغ عدد المقبولين في مؤسسات التعليم العالي للعام الأكاديمي 2025/2026 أكثر من 51 ألف طالب وطالبة، وأن اعتماد معظم الطلبة على الاستئجار بدلاً من التملك يعزز الضغط على المساكن القريبة من الجامعات.

ويلفت اللواتي إلى أن موقع السكن يعدّ عاملًا مؤثرًا في تحديد الأسعار، فالمناطق القريبة من الجامعات والخدمات والمواصلات تشهد طلبًا مرتفعًا يجعلها أكثر جاذبية وأعلى تكلفة، كما أن قلة الوحدات المصممة خصيصًا للطلبة تسهم في رفع الإيجارات، خصوصًا تلك التي توفر خدمات أساسية مثل الإنترنت والأمن والنظافة، مؤكدا أن التوسع في قطاع التعليم ضمن رؤية "عُمان 2040"، واستقطاب الجامعات الدولية والطلاب من خارج السلطنة، يسهم في زيادة الطلب على السكن الطلابي المؤقت.

ويضيف أن ارتفاع تكاليف الصيانة الدورية في المباني المخصصة للطلبة يرفع متوسط الإيجارات الشهرية، فضلًا عن أن سكن الطالبات على وجه الخصوص يحتاج إلى تعيين مشرفات لتقديم خدمات الإشراف والمتابعة، وهو ما يضيف عبئًا إضافيًا على تكلفة الإيجار السنوي.

وختم الدكتور حيدر اللواتي حديثه بالتأكيد على أهمية التخطيط المسبق لتلبية احتياجات الطلبة، من خلال حصر أعدادهم بدقة، وتمكين المستثمرين من إنشاء وحدات سكنية كافية، إلى جانب تخصيص أراضٍ من وزارة الإسكان للراغبين في بناء مساكن طلابية قريبة من الجامعات، بما يسهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب وتخفيف حدة ارتفاع الأسعار.

من جانبها، أوضحت الدكتورة أمينة بنت راشد الصارخية مدير تطوير عقاري سابقًا، ووسيط ومثمن عقاري معتمد، أن محافظة مسقط تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار سكن الطلبة مقارنة بباقي المحافظات، مرجعةً ذلك إلى أن الكثير من ملاك السكنات فوضوا إدارتها لمستثمرين، مما أدى إلى ارتفاع الإيجارات بشكل ملحوظ.

د. أمينة بنت راشد الصارخية.jpg
 

وأضافت أن هؤلاء المستثمرين يفرضون قوانين صارمة في أسلوب الدفع، مثل اشتراط دفع المقدم في مواعيد محددة وإلزام الطلبة بعقود سنوية لا يمكن فسخها بسهولة، مشيرةً إلى أن هذا النظام معمول به حتى في بعض السكنات التابعة للكليات نفسها.

وأوضحت أن أصحاب الوحدات السكنية يبررون ارتفاع الأسعار بغلاء المعيشة وزيادة التكاليف التشغيلية للعقارات، ما أسهم بشكل مباشر في رفع متوسط الأسعار خلال السنوات الأخيرة، مبينة أن بعض السكنات التابعة للجامعات تكون أسعارها أعلى نسبيًا من السكنات الخاصة، ويعود ذلك إلى توجه بعض أولياء الأمور لتفضيل هذا النوع من السكنات لما توفره من إشراف مباشر وبيئة آمنة، وهو ما يزيد الطلب عليها مقابل محدودية المعروض، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع أسعارها أيضًا.

وترى الدكتورة أن معالجة تحديات السكن الطلابي تتطلب مبادرات مجتمعية وتنظيمية متكاملة، أبرزها إسناد إدارة السكنات إلى شركات أهلية عُمانية بدلًا من الأجنبية، لكونها أكثر تفهمًا لظروف الطلبة وواقعهم الاجتماعي، مشددة على ضرورة تفعيل دور النساء المقيمات في السكنات من خلال تعيين إحداهن لمتابعة شؤون العمارة والإشراف اليومي عليها، بما يخلق فرص عمل ويحافظ على النظام داخل السكن.

كما تقترح زيادة أنظمة الأمن والأمان داخل السكنات لتكون أكثر جاذبية للطالبات، مما يسهم في تحقيق توازن في العرض والطلب ويحدّ من الضغط على السكنات الأخرى التي تتبع مثل هذه الأنظمة، داعية إلى تأسيس صندوق طوارئ بإشراف رسمي لدعم الطلاب المعسرين من خلال مساهمات رمزية، إلى جانب تنشيط الأسواق الخيرية داخل السكنات والمبادرات التطوعية مثل تعاون الطلاب في النقل أو إعداد الوجبات بالتنسيق مع الأسر العُمانية بمبالغ رمزية، بما يسهم في تخفيف الأعباء المادية وتعزيز روح التكافل المجتمعي.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة