الجدل حول أدونيس

 

 

 

‏حسين الراوي

 

رغم الترشيحات غير الرسمية المُتكررة للشاعر علي أحمد سعيد إسبر (أدونيس)، السوري الجنسية، لنيل جوائز أدبية عالمية، يرى كثيرون أنَّه لا يستحق أيًّا من تلك الجوائز المرموقة؛ إذ لم يُقدّم- في رأيهم- أدبًا يرقى إلى مستوى ما يُمنح عليه مثل هذا التقدير.

وقد أكد عدد من النقّاد والمؤلفين العرب أنَّ تجربة أدونيس، رغم صخبها، تفتقر إلى الأصالة، وأنَّها لا تحمل فرادةً شعريةً حقيقية تميّزها عن غيرها؛ بل إن بعض الدراسات والكتابات العربية أشارت إلى أن أدونيس انتحل نصوصًا وأفكارًا من شعراء آخرين، دون أن يُورد إشارات واضحة إليهم، وهو ما يُعد مساسًا خطيرًا بالأمانة الأدبية، فأيّ شاعر أو أديب محترم يفعل ذلك؟ وأي تكريم يمكن أن يُمنح لمن تجاوز أصول الإبداع وأخلاقياته؟

يُعد "أدونيس" من أبرز روّاد الشعر العربي الحديث، إلّا أن مسيرته لم تخلُ من جدل واسع حول السرقة الأدبية والانتحال، فقد اتهمه نقاد وأكاديميون بعدم نسب بعض النصوص التي استلهمها من التراث العربي وتقديمها كإبداع شخصي. ويجدر التنويه إلى أن الانتحال الأدبي يختلف عن السرقة الأدبية في النطاق؛ فالسرقة تقتصر على نقل النصوص والألفاظ كما هي، في حين يشمل الانتحال أيضًا اقتباس الأفكار والأساليب دون إشارة إلى أصحابها، وهذا الاختلاف ذكره عبد الرحمن بدوي في موسوعة الفلسفة، الجزء الثاني.

وتهدف هذه القراءة النقدية إلى تقديم أدلة نقدية مُقارنة توضح نمط السرقة الأدبية الذي مارسه أدونيس، اعتمادًا على نصوصه ودراسة النقاد مثل الدكتور عادل عبد الله والدكتور المنصف الوهايبي، إضافة إلى مقال مجلة البيان (2013) (انظر: عادل عبد الله، البيان، العدد 520، ص. 33–34). بدأ أدونيس مسيرته الفكرية كناقد متأثر بالماركسية، ثم تحول إلى داعية للثورة الثقافية في العالم العربي، قبل أن يختلط دوره السياسي والفكري بين مؤيد للنُظُم البعثية ومعارض لها في سياقات مختلفة (انظر: الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص. 214). وقد انعكست هذه التحولات على إنتاجه الشعري والنثري، حيث اعتمد أحيانًا على الاقتباس والانتحال من التراث العربي لتعزيز صورته كرمز للحداثة.

أبرز الأمثلة على سرقة أدونيس هي نصوص الصوفي العراقي محمد بن عبد الجبار النفّري، والتي ضمها في ديوانه تحولات العاشق بعد تعديلها (انظر: الوهايبي، فصول، 2009، ص. 118).

مثال 1: موقف "جاء وقتي"

قال النفّري: «قد جاء وقتي وآن لي أن أكشف عن وجهي…»

أما أدونيس فكتب: «تجتمع حولي أيام السنة، أجعلها بيوتًا وأسرّة وأدخل كل سرير وبيت…»

التحليل: غيّر أدونيس المفردات وأضاف عناصر خيالية، لكنه حافظ على الإيقاع العام للنص الأصلي، ما يندرج تحت المسخ الأدبي (انظر: عبد الله، البيان، العدد 520، ص. 35).

مثال 2: موقف "مخاطبة وبشارة الوقت"

قال النفّري: «قل للشمس أيتها المكتوبة بقلم الرب اخرجي…»

أما أدونيس فكتب: «هكذا يقول السيد الجسد: أيتها المكتوبة بقلم العاشق…»

التحليل: أضاف أدونيس عناصر شعرية وشخصية مع الحفاظ على النغمة والإيقاع، لكنه شوّه المعنى الأصلي (انظر: الوهايبي، فصول، ص. 119).

مثال 3: موقف "نور"

قال النفّري: «يا نور انقبض، وانبسط، وانطو، وانتشر…»

أما أدونيس فكتب: «وقلت أيها الجسد انقبض وانبسط واظهر واختف…»

التحليل: التغيير في المفردات طفيف، لكنه دليل على النقل والانتحال (انظر: عبد المطلب، بلاغة التناص، ص. 91).

مثال 4: موقف "من أنت ومن أنا"

قال النفّري: «وقف في الظل وقال لي تعرفني ولا أعرفك…»

أما أدونيس فكتب: «ورأيت ثوبي يميل عني والظلام يغشاني…»

التحليل: حافظ أدونيس على الإيقاع والنغمة مع إعادة صياغة الصور، لكن المعنى الأصلي تعرض للتحوير (انظر: عبد الله، البيان، ص. 36).

مثال 5: موقف "الأعمال"

قال النفّري: «دخلت معه إلى قبره فضاق به…»

أما أدونيس فكتب: «وسأنزل معك إلى القبر.. بيني وبينك حجاب.. ولن تريني.»

التحليل: التغييرات سطحية، لكنها توضح الاستحواذ الأدبي على النص (انظر: الوهايبي، فصول، ص. 120).

لم تقتصر ممارسات أدونيس على النفّري، بل امتدت إلى نصوص الأصمعي النثرية التي أدخلها في أعماله الشعرية (انظر: الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص. 221)، من أبرز الأمثلة قصة الأصمعي عن الأسد الذي اعترض قافلة الحج، والتي حولها أدونيس إلى نص شعري عن فهد يعترض مجموعة من النساء والرجال، وأضاف إليها عناصر رمزية وجمالية حديثة. وقد اعتبر النقاد أن هذه الممارسة ليست “تناصًا مشروعًا”، بل “انتحالًا متعمّدًا” بأسلوب شعري حديث (انظر: نصر الدين حسين، القدس العربي، 14 أبريل 2014).

كما اعتمد أدونيس على نصوص وأفكار شعراء أجانب، خاصة التراث السوريالي الفرنسي، ومنهم رامبو وبريتون، ونقل عنهم نصوصًا حرفية أو شبه حرفية لتكوينه الشعري، ما يوضح اعتماده المباشر على التراث الفرنسي كمرجع حضاري (انظر: سامي مهدي، أفق الحداثة وحداثة النمط، ص. 60–68؛ كاظم جهاد، أدونيس منتحلًا، ص. 35–40). وأكد أدونيس نفسه دفاعًا عن الاستلهام الأجنبي: «إن العناصر كالنثر والوزن والأفكار … ليست ابتكارًا لشاعر محدد وإنما موجودة موضوعيًا وجود الأشياء، ولهذا فإن استخدامهما لا يكون سرقة أو تقليدًا» (انظر: مقابلة أدونيس مع مجلة ديوان، 1995، ص. 77).

يرى الدكتور عادل عبد الله أن ما قام به أدونيس هو سرقة متعمدة، وليست توارد خواطر، لأن التطابق في البنية الإيقاعية والمجازية لا يمكن أن يكون صدفة (انظر: البيان، العدد 520، ص. 37)، ويضيف الدكتور المنصف الوهايبي أن التلابس بين اللغة والإيقاع في نصوص النفّري يجعلها صعبة التقليد، ومع ذلك استطاع أدونيس نقلها مع تغيير طفيف، مما يعكس وعيًا بالاستحواذ الفني أكثر من الإبداع المستقل (انظر: فصول، ص. 121).

قدّم أدونيس نفسه رائدًا للحداثة الشعرية، لكنه مارس سرقة أدبية واضحة من نصوص الصوفي النفّري ونصوص الأصمعي النثرية، كما استلهم نصوصًا وأفكارًا من الشعراء الأجانب بشكل حرفي أو شبه حرفي، والتحليل المقارن يوضح أن السرقة لم تقتصر على كلمات أو عبارات، بل شملت المعنى والإيقاع والخيال الشعري. ولذلك فإن دراسة أعمال أدونيس يجب أن تراعي إسهامه الحداثي، لكنها أيضًا لا بد أن تعترف بوجود ممارسات انتحال أدبي مبرمج في مسيرته (انظر: الغذامي، الخطيئة والتكفير، ص. 224؛ سامي مهدي، أفق الحداثة وحداثة النمط، ص. 60–68).

في نهاية المطاف، يظل أدونيس مثالًا على الانتحال الأدبي المبرمج. إن إنتاجه لا ينفصل عن الاقتباس والاستحواذ على نصوص الغير، سواء من التراث العربي أو الأدب الفرنسي السوريالي. دراسة أعماله تتطلب رؤية متوازنة: تقدير ما قد يقدمه من تجربة شعرية، والاعتراف بالخلل الأدبي الواضح الذي رافق مسيرته. ومن هذا المنطلق، لا يمكن اعتبار أدونيس مؤهلًا لنيل أي جائزة أدبية فضلا على أن تكون عالمية، فهو شخصية مشبوهة أدبيًا بسبب انتحال نصوصه وسرقاته الأدبية العديدة، سواء العربية أو الغربية، ما يجعل تكريمه أمرًا مرفوضًا أخلاقيًا وفنيًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة