حسين الراوي
من أغرب مفارقات هذا الزمن أن تطبيق واتساب، الذي يُوحّد العالم من أقصاه إلى أقصاه، يتعثر فقط عند حدود الخليج. تتصل من الكويت إلى باريس؟ يعمل. من الرياض إلى لندن؟ يعمل. من الدوحة إلى بيروت؟ يعمل. لكن حاول أن تتصل من الكويت إلى الإمارات، أو من قطر إلى عُمان، وكأنك تحاول عبور جدارٍ إلكتروني غير مرئي!
أيّ سخريةٍ هذه؟
في زمن تُبنى فيه المدن الذكية والمشاريع الرقمية العملاقة، ما زال المواطن الخليجي عاجزًا عن قول "مرحبًا" لجاره في الدولة المجاورة عبر تطبيقٍ مجاني!
والأعجب من ذلك أن جميع الوافدين المقيمين في الخليج لا يعانون من هذه المشكلة أصلًا!
فمثلًا.. الهندي في أي دولة خليجية يستطيع أن يتحدث مع عائلته في نيودلهي بالصوت والصورة يوميًا، وكذلك المصري يتصل بأهله في القاهرة بكل حرية، والفلبيني أيضًا يطمئن على أسرته في مانيلا عبر مكالمةٍ مجانية دافئة.
أما الخليجي، إذا أراد أن يتصل بأخيه الخليجي في دولةٍ مجاورة… سيكتشف أن المكالمة لم تتم!
وأنا شخصيًا، أتصل دوريًا بأصدقائي في أوروبا عبر تطبيق واتساب، أحادثهم لساعات، نضحك، ونتبادل الأفكار، ولا أواجه أي صعوبة في الاتصال، بينما إذا حاولت الاتصال بصديقٍ خليجي في الدولة المجاورة، أجد نفسي أمام شاشة صامتة لا ترنّ، وكأن بيننا حدودًا رقمية من زمنٍ آخر.
وهنا يصبح السؤال مشروعًا ومُلِحًّا: لماذا لا تتدخل الحكومات الخليجية لرفع هذا الحظر؟ هل راحة المواطن أقل أهمية من أرباح شركات الاتصالات؟ أم أن حماية مصالح تلك الشركات أهم من حق الناس في التواصل الإنساني البسيط؟
العالم كله يسير نحو حرية الاتصال، ونحن نسير نحو تنظيم الصمت.
الناس لا تطلب المستحيل، تطلب فقط أن تتحدث مع أحبّتها بلا وسيطٍ ولا ترخيصٍ ولا بوابةٍ مراقَبة.
في النهاية، يبدو أن المواطن الخليجي من السهل عليه أن يتحدث مع أي إنسانٍ في هذا الكوكب…إلا مع أخيه الخليجي.
