عروس مُهداة للنيل (8)

 

 

 

مُزنة المسافر

 

الخلاخيل والقُلل والوجوه النضِرة والقلوب الوجِلة من الوقوع في فخ الشك، والأرجل التي ترجَّلت للبحث عن الحق، لم تجد غير نسائم الهوى، ووجدت وشاحًا يُغطِّي جسد نوسة، إنها غائبة عن الوعي، إنها رائحة نحو نوم مستمر.

نوم الهوى ربما؟

وهل من نوى بعد هذا؟

هل هي بحاجة لأن تكون بجانب رمزي حتى لا تصبح عيَّانة؛ بل هي مريضه بحبه، لقد هربت لكن حكاية الغياب لم تعد مقنعة، وأين هو رمزي يرى مرضها هذا، وهل تشخيصه سليمًا؟ أن تُحبس حبس السنين، وترى نفسها بين أبواب موصدة، وعيون ملبدة بالغيرة.

يقول مدبولي لنوسة إن العشاء جاهز وإنه لا بُد أن تنزل لتتناول العشاء مع رمزي بيه، لا من أحد في المنزل، عزمي بيه خرج للصيد مع بضعة أصدقاء ولم يعد، ونازلي هانم في القاهرة منذ أيام.

رمزي: حلو الأكل يا نوسة؟

نوسة: الأكل؟ ها.. لا بأس.

الحياة لم يعد لها طعم فما بالك الأكل يا رمزي، إنها بحاجة للحقل والشمس، إنها بحاجة للسنابل وعيدان القصب والفل والسيسبان، وماذا عن القرية؟، وأين أهلها؟، وأين هو عبدالرؤوف أفندي.

خلف باب السراي، عبدالرؤوف ينتظر أن يفتح أحد له الباب، يظهر أمامه مدبولي الذي يعرقل دخوله داخل صالون القصر، يهرول نحو السفرة حيث تجلس نوسة بهدوء ورمزي يقف ليرحب بعبدالرؤوف.

رمزي: أهلًا وسهلًا يا عبدالرؤوف أفندي. 

عبدالرؤوف: وهي فيها أهلا وسهلًا يا رمزي بيه؟

رمزي: اجلس، تناول معنا الغداء.

يعتب عبدالرؤوف على رمزي أنه أخذ نوسة بالقوة، إنها ابنته التي يحبها كثيرًا، يُذكِّره أنه غريب، والغرباء لا يمكنهم لمس ابنته نوسة، وقعت عين عبدالرؤوف على البندقية المعلقة على الجدار، وخشي أن يقول أكثر!

الوجع الذي في قلبه من كلام أهل القرية، ثرثرتهم ترهق ظهره، وكيف يرد؟ وهو يعتاش من ماهيَّة شهرية يقدمها له رمزي بيه في ظرف خاص، وهو الأفندي الذي خدم العائلة منذ زمن بعيد، وأين هو عزمي بيه يرى ما يفعل ابنه؟

رمزي: بص كويس للبندقية دي.

عبدالرؤوف: وما لها البندقية؟

رمزي: ستصوب أفكارك، وتغير كل فكرة قديمة تعرفها، نوسة لن تغادر السراي دون أمري.

تمالك أعصابك يا عبدالرؤوف، وامضي بمِسبحتك، وجلابيتك وقلبك الخائف، واخزي الشيطان، وانظر نحو الأمل الذي لن يغيب، إنها لن تروح مع طلق رصاصة، ولن تروح في مقطورة صغيرة رائحة للمدينة، ستعود للقرية على أجمل حصان.

وقد يكون حصانًا أبيض، يأخذها لعِش الزوجية، إنه يحبها وحبه جنوني، والشاويش لن يصدقك، ونقطة شرطة القرية لن تُدين ابن البيه، إنه يقف ويحدق بك وكأنه هرم واقف ينتظر عبور نور الشمس، لن يغير رأيه، لن يبدد وعيه.

وماذا عن نوسة؟

هل دخل أحشائها أي عفريت وولعها بالكبريت؟

وهل لها نية أن تدخل فصل الدفاع عن الحرية؟

أنتِ يا نوسة، هل تجدين في ملاعق رمزي بيه ما يغرك؟ كل ملعقة على السفرة تقول بالثراء، وهل يعجبكِ دلاله المعتاد لكِ يا نوسة، لكن الغلابة بانتظارك، والعدالة تقول بسؤالك: مش حرام؟

أن يكون وحش هذا الغرام سببًا في تدمير ماضٍ جميل بينكما.

وهل هو من نصيبك يا نوسة حتى تكوني في سراياه محبوسة؟، يا سلام لو تخرجين وترين الدنيا كيف صارت، وهل تشعرين بالحرية تختلج نفسك المعذبة؟، اذهبي نحو الهواء وغردي في السماء بأحلى طقطوقة، ودعي رجليك تعانق القبقاب وتروح لأراضي الغربة بدلًا من هذه الوحدة.

يا ليتك تعرفين ما في خزانة قلبه.

وتفتحين كل أبواب حبه.

سترين السراب طريقًا واضحًا.

والغياب صدقيني بحر غائب عن عينيه.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة