النجد بين الطموحات والواقع

هل تُعيد "جايكا" الأمل لسلة غذاء عُمان؟

 

 

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

في الحادي والثلاثين من أكتوبر، يحتفل العُمانيون بيوم الزراعة العُماني، وهو يوم يستحضر قيمة الأرض والمنتِج والمزارع، ويؤكد أن الزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي، بل ركيزة من ركائز الأمن الوطني والتنمية المستدامة.

ويأتي هذا اليوم هذا العام متزامنًا مع خطوة تحمل الكثير من التطلعات، تمثلت في توقيع سلطنة عُمان اتفاقية تعاون فني مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي "جايكا" لإعداد وتنفيذ المخطط الرئيس لتنمية منطقة النجد بمحافظة ظفار، وهي اتفاقية تُعيد الأمل في مشروع طال انتظاره، وتضع المنطقة من جديد تحت مجهر التنمية.

وتمتد منطقة النجد شمال جبال ظفار، وتشمل نطاقات مثل حنفيت ونيابة الشصر ودوكة. وهي منطقة ذات إمكانات زراعية كبيرة، تتميز بأراضٍ خصبة قابلة للاستصلاح، وموارد مائية جوفية وفيرة، ومساحات شاسعة مهيأة للإنتاج. وقد بدأت فيها الزراعة فعليًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، وشهدت تجارب في زراعة القمح والخضراوات والفواكه والأعلاف. ومع ذلك، ظل أثر هذه المشاريع محدودًا، ولم تتحول النجد بعد إلى مركز إنتاج غذائي يعكس حجم إمكاناتها.

الاتفاقية الموقعة مع جايكا، في أواخر سبتمبر 2025، تهدف إلى إعداد مخطط تنموي شامل للمنطقة، بالاستفادة من الخبرات اليابانية في التخطيط الزراعي، وتوظيف التقنيات الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة. وهي خطوة مهمة من حيث المبدأ، لكنها تأتي في سياق ذاكرة تنموية مثقلة بتجارب سابقة لم تكتمل. فقد شهدت المنطقة في العقود الماضية مبادرات طموحة انتهت إلى تعثر أو توقف، من أبرزها ندوة التصحر عام 2002 التي أوصت باستراتيجيات واضحة لمكافحة التصحر دون أن تجد طريقها للتنفيذ، وشركة النجد للحشائش التي تعثرت رغم أهميتها في تقليل استيراد الأعلاف، ومشروع خفض أعداد الإبل الذي لم يُنفذ بفاعلية، فضلًا عن مزرعة "زينة الصحراء" التي أنشئت بدعم من جايكا في وقت سابق لكنها فقدت زخمها لاحقًا بعد نقل تبعيتها إلى جهة أخرى.

لهذا تبدو النجد اليوم بمثابة "الفرصة المهدورة" التي لم تستثمر كما يجب. فلو أُحسن استغلالها، لأصبحت مركزًا زراعيًا وصناعيًا يغني البلاد عن استيراد كميات ضخمة من الحبوب والأعلاف والخضروات، ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتنويع مصادر الدخل. ومع تصاعد المخاطر العالمية المرتبطة بسلاسل الإمداد والغذاء، تبدو هذه الخطوة أكثر من ضرورية. وتشير تقديرات محلية إلى أن استثمارًا مدروسًا في هذه المنطقة يمكن أن يخلق آلاف الوظائف في القطاعين الزراعي والغذائي، ويعزز من مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي، ويفتح آفاقًا للاستثمار الأجنبي في الزراعة الذكية والتقنيات الحديثة، بشرط إزالة العقبات البيروقراطية وتوفير الحوافز الجاذبة.

غير أن التحدي الحقيقي لا يكمن في توقيع الاتفاقيات، بل في التنفيذ الفعلي. فقد أثبتت التجربة أن الفجوة بين التخطيط والتطبيق تظل العقبة الكبرى أمام المشاريع الوطنية الكبرى.

لذلك فإنَّ نجاح هذا المشروع مشروط بعدة عوامل أساسية: وجود خارطة طريق واضحة بتوقيتات محددة، وشفافية في المتابعة والتقويم، وشراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، ومشاركة مجتمعية تجعل سكان المنطقة شركاء في التنمية لا مجرد متلقين لها. فالمجتمعات المحلية حين تُقصى عن دوائر المشاركة تفقد الحماس والقدرة على صون المشاريع واستدامتها.

إنَّ الحديث عن النجد اليوم هو حديث عن اختبار جديد لقدرتنا على تحويل الرؤية إلى إنجاز؛ فالموقع الجغرافي الفريد، والبنية التحتية المتنامية، والمقومات الطبيعية الكبيرة، تجعل من هذه الأرض مرشحة لأن تكون مركزًا متقدمًا للزراعة الحديثة والصناعات التحويلية المصاحبة. وإذا ما تحققت الخطط المرسومة، فقد تُصبح النجد فعلاً سلة غذاء عُمان، ورمزًا لنقلة نوعية في منظومة الأمن الغذائي الوطني.

في الختام.. يمكن القول إنَّ الاتفاقية مع جايكا لا تمثل النهاية، بل البداية. النجاح لا يُقاس بعدد التوقيعات أو الدراسات؛ بل بما يُرى على الأرض من حقول مزدهرة، ومنتجات وطنية منافسة، ومزارعين مؤمنين بأنهم شركاء في مشروع وطني حقيقي. فالنجد ليست مجرد مساحة جغرافية، بل فرصة استراتيجية لبناء اقتصاد زراعي متنوع يخدم رؤية "عُمان 2040"، ويعيد للأرض مكانتها في معادلة التنمية.

ويبقى السؤال مفتوحًا: هل ننجح هذه المرة في تحويل الطموحات إلى واقع؟

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة