أ.د. دينغ لونغ **
في 30 أكتوبر عام 2025، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئيس الأمريكي ترامب في بوسان بكوريا الجنوبية على هامش اجتماع قادة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ "آبك" غير الرسمي؛ حيث أشار الرئيس الصيني إلى أنَّ تطور الصين لا يتعارض مع هدف ترامب في "إعادة عظمة أمريكا مرة أخرى"، ويمكن للصين والولايات المتحدة أن يساعد بعضهما البعض وينعمان بالازدهار المشترك، لذا ينبغي أن تكون الصين والولايات المتحدة شريكتين، وذلك يصب في مصلحة البلدين والشعبين والعالم أجمع.
ترامب أعرب أيضًا عن ارتياحه الكبير عن هذا اللقاء، إذ يتطلع إلى إقامة علاقة طويلة الأمد مع الصين. بفضل الجهود المشتركة لقادة البلدين، حققت المشاورات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، التي عقدت في 25 و26 أكتوبر 2025، تقدمًا جيدًا، حيث توصل الطرفان إلى توافقات أساسية حول العديد من القضايا الهامة، بما في ذلك خفض الرسوم الجمركية الإضافية، ورفع قيود تصدير المعادن النادرة، وزيادة الصادرات الزراعية إلى الصين. وأتفق الجانبان مبدئيا على تبادل الزيارات في مطلع العام المقبل بما سيرسي أسسا متينة لاستقرار العلاقات بين البلدين. وسيلتقي الرئيسان في المناسبات الدولية في العام المقبل، حيث ستستضيف الصين اجتماع قادة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ غير الرسمي، بينما ستحتضن الولايات المتحدة قمة مجموعة العشرين عام 2026.
ويعدّ هذا اللقاء الأول من نوعه في ولاية ترامب الثانية، ما يكتسب أهمية كبرى ويحمل دلالات عميقة في ظل اشتعال نيران الحرب التجارية منذ تولي ترامب الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية. وخلال هذا اللقاء المهم، اتفق الجانبان الصيني والأمريكي، أكبر أقتصادين في العالم اليوم، على العديد من الملفات الشائكة، على سبيل المثال، خفض التعريفات بـ10% والسماح بتصدير الشرائح إلى الصين، ووافقت الصين بالمقابل على تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة؛ الأمر الذي يُمهِّد الطريق للمزيد من الاتفاقات بين الجانبين ما يرسي أسسا للعلاقات الثنائية؛ بما يبشر بالتوصل إلى صفقة كبيرة بين البلدين في القريب العاجل. وقدمت إدارة ترمب تنازلات كبيرة من أجل إبرام الاتفاقية مع الصين، وهذا يدلّ على أن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين غير مجد ولن يخرج أي طرف منهما منتصرا، لعل التجربة خلال الأشهر الماضية عبرة ودرس للجانب الأميركي فيما يتعلق بالتعامل مع الصين.
ونظرًا لوجود خلافات كثيرة بين الجانبين، وطبيعة ترامب المتغيرة، لن تكون العلاقات بين البلدين مستقرة ومن المؤكد أنه ستحدث مطبّات وتذبذبات بين فينة وأخرى في المستقبل، غير أن صمود الصين أمام الاستفزازات الأمريكية لقنّ درسا قاسيا لإدارة ترمب ما جعلها تسعى فيما بعد إلى تسوية الخلافات بين البلدين من خلال المحادثات بدلا من التهديد بفرض العقوبات والتعريفات الإضافية.
وتأتي التطورات الأخيرة في العلاقات الصينية الأمريكية بعد فشل إدارة ترامب في ممارسة الضغط على الصين؛ حيث يعتقد ترامب أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة اقتصادية بامتياز وليس جيوسياسية؛ ففي وجهات نظره، إن المنافسة الاقتصادية هو المفتاح في الصراع بين الصين والولايات المتحدة. وفي مسار تطور الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين، كان ترامب هو الذي أشعب نيران المنافسة الاستراتيجية الشاملة مع الصين. وكان أحد الأسباب الأساسية لنجاح ترامب في الانتخابات هو تعهداته بـ"حل مشكلة هروب الصناعات الأمريكية".
وبعد توليه الرئاسة الأمريكية للمرة الثانية، قام بزيادة الرسوم الجمركية وفرض قيود على الصادرات؛ بل ومارس الضغوط والتحايل على الدول والشركات للاستثمار وإقامة مصانع في الولايات المتحدة بناء على مخاوفه الأساسية، ومن هنا نسأل: هل يمكن للولايات المتحدة اللحاق بالصين في مجال الصناعة التصنيعية التي حققت قفزة نوعية؟ على الرغم من أن إعادة التصنيع في الولايات المتحدة هي مهمة صعبة، إلا أنها ساحة المعركة الأساسية في المنافسة الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة. وفي الموجة التكنولوجية الحالية، فإنَّ نتيجة سباق الذكاء الاصطناعي تحدد مباشرة مسار هذه المنافسة الاقتصادية.
ويعتمد ترامب على مبدأ "مصالح مشتركة" لاختيار شركائه، وليس على رسم خطوط بسيطة بناءً على الأيديولوجيا؛ حيث يتعهد بـ"تحقيق الفوائد المشتركة" للبلدان التي ترغب في التعاون مع الولايات المتحدة، بينما يسعى إلى الضعط على المعارضين.
ومنطق الضغط لدى ترامب واضح: في البداية، يحذّر الخصم من "اتخاذ إجراءات معادية"، وإذا أصرّ الطرف الآخر على مساره، فإنه ينفذ ضربات دقيقة، في الوقت نفسه، يخطط مسبقًا لـ "استراتيجية الخروج" لتجنّب خوض الحرب المطولة. إن سرعة التغيير وعدم قابلية التنبؤ لترامب هو المفتاح لنجاحه في ردع خصومه. علاوة على ذلك، تظل أهداف سياسات ترامب تركّز على "القضاء على تهديدات محدّدة"، وليس لديه طموحات في التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى أو نشر الديمقراطية.
وعلى ضوء استراتيجية ترامب العالمية، تتّجه سياسة ترامب إزاء الصين من المواجهة القوية إلى إبرام "صفقة كبيرة"؛ حيث يسعى ترامب إلى تقديم تنازلات للصين.
ووراء هذا التحول في السياسة هناك سببان رئيسيان؛ الأول: هو أن الصين، بفضل تخطيطها في مجالات التكنولوجيا العالية مثل الطاقة الجديدة والسيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي، قد أقامت قاعدة صلبة في المنافسة مع الولايات المتحدة. والثاني: هو أن الصين، بعد أن شنّت الولايات المتحدة حربًا تجارية، اتخذت إجراءات "رد متكافئ" معتمدة على مزاياها الأساسية في مجال المعادن النادرة، مما أثر مباشرة على مصانع السيارات الأمريكية. وهذا جعل الولايات المتحدة تدرك أن الصين هي منافس قوي لا يمكن هزيمته، وأن التشابك العميق للمصالح بين الصين والولايات المتحدة يجعل العقوبات والحظر عديمة الفائدة.
بالنسبة إلى إدارة ترامب، لا تمثل مسألة تايوان مصلحة أساسية للولايات المتحدة؛ إذ لا يمكن أن يحقق التنافس الجيوسياسي مع الصين مصالح فعلية للولايات المتحدة، بل سيصبح عبئًا استراتيجيًا؛ بل هي ورقة ضغط في المفاوضات مع الصين، ويمكن استخدامها لإبرام "صفقة كبيرة" مع الصين. وسيدفع هذا الاتجاه إدارة ترامب إلى تجنب المواجهة مع الصين في قضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي، وبدلًا من ذلك، ستركز على مواجهة صعود الصين في مجالات الصناعة والتكنولوجيا العالية والطاقة الجديدة.
تطلعًا إلى المستقبل، تُمثل قمة بوسان نقطة تحول مهمة في العلاقات الصينية الأمريكية، حيث ستتجه هذه العلاقات المهمة نحو المزيد من الاستقرار والتحسن. ويجب أن يظل التعاون الاقتصادي والتجاري حجر الزاوية ومحركًا للعلاقة بين الصين والولايات المتحدة، وليس عقبة ونقطة توتر. وعلى الجانبين النظر إلى الأمام، والأخذ في الاعتبار المصالح طويلة الأمد التي يحققها التعاون ذي منفعة متبادلة، بدلًا من الانزلاق في دورة سلبية من الانتقام المتبادل. وعلى الجانبين مواصلة المحادثات على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة من خلال تقليص قائمة المشكلات وزيادة قائمة التعاون.
** أستاذ بمعهد الدراسات شرق الأوسطية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، الصين
