أ.د. دينغ لونغ **
اختتم الاجتماع الرابع للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني أعماله في 23 أكتوبر الجاري، ما ينهي الخطة التنموية الخمسية الرابعة عشرة ويدشن الخطة التنموية الخمسية الخامسة عشرة للصين؛ حيث يعدّ وضع خطة تنموية مدروسة وبلورة رؤية للتنمية المستقبلية طوال العقود الماضية سرّا من أسرار النجاحات الاقتصادية الكبيرة التي تم إحرازها في الصين وعلى مدى الخمس سنوات الماضية.
ووسط تقلبات الوضع الدولي وتصاعد الصراعات الجيوسياسية واندلاع الجائحة الكبيرة وتراجع الاقتصاد العالمي وانتشار الحماية التجارية عالميا، حافظ الاقتصاد الصيني على الصمود أمام التحديات الجسام، حيث ظل الاقتصاد الصيني يحقق التنمية عالية الجودة، ويركز على إيجاد نمط تنموي جديد، وسلك مسارًا ثابتًا للتنمية ما شكّل منحدرا مغايرا للاقتصادات الرئيسية الأخرى. في عالم مليء بالغموض، أظهرت الصين قوة كبيرة في الصمود والحيوية في آن واحد، بحيث حققت قفزة نوعية تاريخية وتغييرًا جذريًا عميقا.
وخلال السنوات الخمس الماضية، شهدت فلسفة التنمية السائدة في الصين تغييرًا عميقًا، مما قاد الاقتصاد الصيني نحو جودة أعلى في التنمية الاقتصادية. ومنذ انطلاق الخطة الخمسية الرابعة عشرة، قامت القيادة الصينية بتحليل عميق لخبرات ودروس التنمية في الداخل والخارج واتجاهات التنمية العامة محليا ودوليا، واقترحت بشكل مبدع مفهوم التنمية الجديدة المتمثل في الابتكار والتحول الأخضر والانفتاح على العالم. هذا المفهوم أحدث بشكل علمي سلسلة من التغييرات النظرية والعملية المتعلقة بالتنمية، وساعد في تحقيق القفزة النوعية في التنمية؛ إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 54 تريليون يوان إلى حوالي 135 تريليون يوان، بمعدل نمو سنوي بلغ 6%، أي ما يقرب من ضعف متوسط نمو الاقتصاد العالمي السنوي 3.1% خلال الفترة ذاتها.
وشهدت دوافع التنمية تغييرًا عميقًا، وتمت استبدال قوى الدفع القديمة والجديدة بشكل سلس. منذ بداية العصر الجديد، شهد طرفا العرض والطلب في الاقتصاد تغييرًا كبيرا، حيث تحول جانب العرض من الاعتماد على العوامل التقليدية إلى الاعتماد على الابتكار، وساعدت التكنولوجيا الجديدة في نمو أشكال جديدة من الأعمال والصناعات والأنماط بشكل أسرع. في جانب الطلب، أصبحت القوة الرئيسية للطلب الداخلي أكثر قوة. من المتوقع أن تصل مساهمة الاستهلاك في النمو الاقتصادي إلى حوالي 63% في الفترة المقبلة، بينما ستنخفض مساهمة الاستثمار إلى أقل من 28%. أصبح الاستهلاك قوة دفع هامة للنمو الاقتصادي.
وأصبح الابتكار القوة الأولى لتعزيز التنمية، مما رفع قدرة التنافس الدولية ومكّن الصين من على أخذ زمام المبادرة وتحقيق التميز في مجالات جديدة واعدة كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. خلال العصر الجديد، ارتفع تصنيف الصين في مؤشر الابتكار العالمي من المركز 34 في عام 2012 إلى المركز 10 في عام 2025، وأصبحت واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في القدرة على الابتكار خلال أكثر من عقد من الزمان.
وحققت الصين نتائج ملحوظة في التنمية الحضرية والريفية وبين الأقاليم المختلفة. ونجحت الصين في حرب القضاء على الفقر، حيث تجاوزت سرعة نمو دخل سكان الريف لتلك لسكان المدن لسنوات متتالية، وأصبحت المدن الصغيرة والعديد من البلديات أرضية حارة جديدة للتنمية والاستهلاك.
ويتسارع التحول الأخضر على نحو شامل، ويتجه إلى التكامل بين الإنسان والطبيعة. ونجحت الصين في التنسيق بين التنمية عالية الجودة وحماية البيئة على مستوى عالٍ، واتبع الصين بثبات مسار التنمية عالية الجودة والخضراء والمنخفضة الكربون وبناء الاقتصاد الصديق للبيئة، وتم تطبيق مفهوم "الجبال والأنهار الخضراء هي جبال من الذهب والفضة" سعيا لتحقيق الحياد الكربوني، عن طريق خفض الكربون وتقليل التلوث وزيادة الخضرة والنمو، وتوعية الجمهور بالثقافة البيئية، واستكمال آلية التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون، مما عجل عملية التحول الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وارتفع مستوى الانفتاح خلال السنوات الخمس الماضية، علما أن الانفتاح هو الطريق الضروري للرخاء والتنمية الوطنية. منذ بداية العصر الجديد، نفذت الصين استراتيجية انفتاح أكثر إيجابية ونشاطًا، ووسعت بشكل ثابت الانفتاح على مستوى مؤسساتي، حيث تم إنشاء العديد من مناطق تجارة حرة على سبع دفعات وعلى نطاق البلاد. وأصبحت الصين شريكًا تجاريًا رئيسيًا لأكثر من 150 دولة وإقليم، وظل إجمالي التجارة السلعية للصين يحتل المركز الأول في العالم لسنوات متتالية، وتحتل الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الصين في مقدمة دول العالم. أصبحت مبادرة "الحزام والطريق" منتجًا عاما دوليًا مشهورًا ومنصة للتعاون الدولي. وتسير الصين اليوم بخطى ثابتة على طريق النهضة الوطنية الشاملة. ارتفعت حصة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي من 11.3% في عام 2012 إلى 17.1% في عام 2024، حيث يوفر النمو المستقر فرصًا جديدة للفوز المشترك مع دول الدول.
وستواصل الصين تحسين رفاهية الشعب، وتعزيز شعور الناس بالسعادة والأمان. في العصر الجديد، من خلال تعزيز نظام التأمينات الاجتماعية، ورفع مستويات معيشة الشعب على جميع الأصعدة، حيث بلغ متوسط العمر المتوقع للسكان 79 عامًا في عام 2024، واحتل المركز الرابع بين الدول ذات الدخل المتوسط والمرتفع.
ومع انتهاء الخطة الخمسية الرابعة عشرة، وتدشين حقبة الخطة الخمسية الخامسة عشرة قريبًا، ستركز الصين في السنوات الخمس المقبلة على المجالات التالية، ملتزمة بمبادئ التنمية لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتعتبر فترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة حقبة زمنية مفتاحية لترسيخ أسس التنمية ومضاعفة الجهود لتحقيق أهداف التحديث.
وتتمثل الأهداف الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في فترة الخطة الخمسية الخامسة عشرة في تحقيق نتائج ملحوظة في التنمية عالية الجودة، وزيادة مستوى الاستقلال والابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا لتحقيق اختراقات جديدة، وتحسين نوعية حياة الشعب باستمرار، وتحقيق تقدم كبير جديد في بناء وطن جميل، وتعزيز الأمن القومي وبناء الصين الآمنة. وبحلول عام 2035، ستحقق الصين قفزة كبيرة في القوة الاقتصادية والعلمية والدفاعية، وسيصل دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى الدول المتقدمة والمتوسطة، وستكون حياة الناس أكثر سعادة وجمالًا.
** أستاذ بمعهد الدراسات شرق الأوسطية في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية بالصين
