حمود بن سعيد البطاشي
في أحضان الطبيعة العُمانية الساحرة، تقع قرية سوط التابعة لولاية دماء والطائيين بمحافظة شمال الشرقية، تلك القرية التي تجمع بين الأصالة والجمال، وبين عبق الماضي وامتداد الحاضر. تتموضع سوط في الوادي الشرقي من الولاية، لتشكل إحدى أهم القرى التي تحظى بمكانة خاصة بين قرى المنطقة لما تمتاز به من موقع استراتيجي وطبيعة فريدة، جعلاها وجهة مميزة لعشاق التراث والطبيعة على حدٍّ سواء.
تتسم قرية سوط بثرائها التراثي والأثري، فهي تزخر بالمعالم القديمة التي تعكس ملامح الحياة العمانية الأصيلة، حيث لا يزال الطراز المعماري القديم حاضرًا في بيوتها وحصونها وسككها الضيقة التي تروي قصص أجيال مضت، عاشت على أرضها بسلام، وزرعت فيها القيم النبيلة والموروث الأصيل. وتُعد القرية القديمة في سوط مثالًا رائعًا على التمسك بالهوية المعمارية العمانية، إذ لا تزال تحافظ على شكلها التقليدي بأسوارها المبنية بالحجارة والطين، ونوافذها الخشبية المزخرفة التي تعكس ذوقًا فنيًا راقيًا وعمقًا حضاريًا عريقًا.
أما من الناحية الجغرافية، فتتميز سوط باتساع رقعتها ومساحتها الكبيرة مقارنة ببقية قرى الولاية، مما أتاح تنوعًا طبيعيًا فريدًا في تضاريسها بين السهول الزراعية والمرتفعات الجبلية. ويُعد كهف أبو هبان الشهير من أبرز معالمها الطبيعية، إذ يُعتبر أحد الكنوز الجيولوجية التي تجذب الزوار والمستكشفين لما يحتويه من تكوينات صخرية مذهلة وأسرار طبيعية غامضة تأسر الناظرين.
وعندما تتأمل سوط من الجهة الغربية، يأخذك المشهد إلى لوحة ربانية مهيبة؛ إذ يتوسط القرية جبل شامخ يشبه القلعة الطبيعية، يضفي على المكان مهابةً ووقارًا، وكأنه حارس قديم يطل على القرية منذ قرون طويلة. وفي موسم الأمطار، عندما تنحدر الأودية عبر سفوح الجبال نحو بساتين سوط، تتشكل مشاهد آسرة يصعب وصفها، حيث تمتزج خيوط الماء مع خضرة النخيل لتُرسم لوحة فنية طبيعية تفيض بالحياة والجمال.
ويُعد وادي الطائيين القلب النابض للمنطقة، وسوط هي واحة هذا الوادي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فمن الجهتين، تمتد بساتين النخيل الباسقة، تحف الوادي كالسوار، وتظلل الأرض بظلالها الوارفة. وتنتشر بين تلك البساتين المساحات الزراعية الواسعة التي تُزرع فيها المحاصيل الموسمية كالقمح والبطيخ والليمون والبرسيم، مما يجعل القرية سلة غذاء طبيعية وموردًا زراعيًا مهمًا لأهلها.
ولا يُمكن الحديث عن سوط دون التوقف عند أهلها الكرام، الذين يجسدون أسمى صور التلاحم والتعاون. فهم متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، محافظون على تراثهم، وفي الوقت ذاته منفتحون على التطور والتجديد. يشتهر أهالي سوط بكرم الضيافة، وبساطة العيش، وحب الأرض، وهو ما يجعل الزائر يشعر وكأنَّه بين أهله منذ اللحظة الأولى.
لقد استطاعت قرية سوط أن تحافظ على هويتها رغم تغير الزمن، وأن تبقى شاهدة على تاريخ طويل من العراقة والازدهار. فهي ليست مجرد قرية، بل سجل حيّ يحكي قصة الإنسان العُماني في وادي الطائيين، ذلك الإنسان الذي عمر الأرض بإيمانه وجهده، فحوّل الصخر إلى زرع، والوادي إلى حياة.
إنَّ زيارة سوط ليست مجرد رحلة سياحية، بل رحلة في عمق الجمال العماني الأصيل؛ جمال الأرض، والإنسان، والتاريخ. إنها لوحة متكاملة رسمتها الطبيعة وأبدعها الإنسان، لتبقى واحدة من أجمل القرى التي يمكن أن تراها العين وتأنس بها الروح.