أنا والكُتب.. ولقاء في ظفار بحضور حامد باوزير


حسين الراوي

 

عندما يقع بين يدي كتابٌ مفيدٌ ومُشوق، يغمرني شعورٌ بالفرح، حتى أكاد أعدّ الكتب من أهمّ مصادر سعادتي في الحياة. فمنذ أن كنت في المرحلة الدراسية الأولى من الثانوية، بدأتُ بتأسيس مكتبتي المنزلية الأولى، ومنذ ذلك الحين أخذ شغفي بقراءة الكتب يتّسع معي خطوةً بخطوة، حتى وجدت نفسي اليوم أملك أربع مكتباتٍ مكتظةٍ حتى آخر رف.

ومع امتلاء الرفوف، راحت الكتب تتسلّل إلى كل زاويةٍ من المنزل؛ بعضها في الصالة، وبعضها على يمين وشمال سرير النوم، وبعضها بجوار ركن القهوة، وبعضها قرب الأرائك والتلفاز، في كل مكانٍ تقريبًا عدا المطبخ والحمّام! ولعل أكثر ما يُضحكني أنّ زوجتي، ما إن تراني أدخل المنزل بكتبٍ جديدة، حتى تبدأ بالشكوى والتذمّر من "غزوة الكتب" الجديدة التي تداهم البيت بين حينٍ وآخر!

العديد من أصدقائي من أصحاب المكتبات ودور النشر، وغيرهم من الأصدقاء الذين اشتهروا بنهمهم وحبهم للقراءة، اعتادوا دائمًا- برغبةٍ مني- أن يخبروني بأحدث الكتب الجيدة التي صدرت حديثًا، حتى أتمكن من اقتنائها والاطلاع عليها. وقد بلغ الأمر أنني في مواسم معارض الكتب الدولية، حين ألتقي ببعض هؤلاء الأصدقاء الذين أقدّر ذوقهم الأدبي والفكري، أطلب منهم ترشيح عناوين الكتب التي أعجبتهم في المعرض، لأغني مكتبتي بما يستحق من محتوى قيّم وممتع.

ومن منطلق الحديث عن محبة الكُتب المفيدة والمشوقة، جمعتني إحدى الليالي الجميلة بالمؤلف الأستاذ حامد بن جمعان باوزير مع بعض الأصدقاء في مقهى (Lafta)، ذلك المقهى الذي أحب أن اقرأ وأكتب فيه، والتقي من خلاله بالعديد من الأصدقاء والأدباء وغيرهم، حينما أكون في صلالة.

كان اللقاء مع الأستاذ باوزير بسيطًا في ظاهره، لكنه ترك في نفسي أثرًا عميقًا. علمت خلال حديثنا أنَّ الأستاذ حامد ألّف كتابًا بعنوان "الحياة الاجتماعية في ظفار"، فتولّد لديّ الفضول لمعرفة تفاصيله.

بدأتُ أطرحُ عليه بعض الأسئلة، فكان يجيب بهدوء العالِم وثقة العارِف بتاريخ مجتمعه، حتى شدّني حديثه إلى حدٍ جعلني أنصت بإعجاب، وكأننا وحدنا في المكان. وحين كان بعض الأصدقاء يقاطع حديثه، كنت أطلب منهم أن يتركوه يسترسل في حديثه، لأن كلماته كانت تضيف لي معرفة أكثر مما كنت أظن أنني أعرفه عن ظفار. رأيت فيه رجلًا وقورًا، متأنيًا في طرحه، يحمل معرفة عميقة وأسلوبًا بسيطًا يصل إلى القلب.

كتاب "الحياة الاجتماعية في ظفار" عمل توثيقي مميّز يرصد ملامح الحياة في المجتمع الظفاري بعاداته وتقاليده وتاريخه. يكتب حامد باوزير عن الناس كما لو أنه يروي حكاية المكان بروحه، فيقدّم للقارئ لوحة إنسانية صادقة عن مجتمع ظل وفيًّا لقيمه رغم التحولات الحديثة.

يتناول الكاتب مظاهر الحياة اليومية، والروابط الأسرية، وطقوس الفرح والعمل، كاشفًا عن عمق التجربة الاجتماعية في ظفار، وكيف أسهمت الطبيعة والموقع الجغرافي في تشكيل الشخصية الظفارية.

الكتاب ليس مجرد دراسة اجتماعية؛ بل هو رحلة في الذاكرة، وتوثيق للمكان والإنسان، واحتفاء بالهوية المحلية التي تعبّر عن روح الجنوب العُماني بصدق واعتزاز.

لا يفوتني أن أُوجه الشُكر إلى دار "بورصة الكتب" على نشر هذا العمل القيّم، وأخصّ بالشكر الأستاذ عادل متولي، صاحب الدار، الذي أهداني نسخة من الكتاب وأتاح لي فرصة قراءته والتعمّق في صفحاته. كما أتوجه بالشكر إلى الصديق المثقف عادل رمضان أبو عاصم، الذي أتاح لي فرصة التعرف على الأستاذ حامد باوزير عن قرب، فكان ذلك اللقاء بداية لاكتشاف عملٍ يستحق الاهتمام.

وفي ختام هذه السطور، أدعو وزارة الإعلام العُمانية إلى الالتفات إلى هذا العمل وصاحبه، تقديرًا لجهده في توثيق الذاكرة الاجتماعية لظفار. كما أهيب بوزارة التربية والتعليم أن تُدرجه ضمن مكتبات المدارس والكليات، ليكون رافدًا للمعرفة، ونبعًا ينهل منه الجيل الجديد إلهامًا وفهمًا أعمق لملامح المجتمع العُماني وروحه الأصيلة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة