الرؤية- كريم الدسوقي
ما إن اجتاز ستيف روبرتس باب مصحة "بنهورست" المهجورة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، حتى شعر أن كل خطوة داخله تدق ناقوس الخوف في روحه، فأمام جدران متشققة وعتبات متآكلة، بدا وكأن المكان يبتلع صوته ويرد الظلال بثقل ذكريات مجهولة.
لم يكن روبرتس يؤمن بالأشباح، لكنه اليوم لم يعد متأكدًا، فقد بدأت الأحداث تجره إلى عوالم لم يختبرها من قبل، يلتبس فيها الواقع بالخرافة، وهي العوالم التي اختبرها بزيارة مصحة نفسية مهجورة، حسبما أورد تقرير نشرته منصة CNN، المتخصصة في السياحة والسفر.
كان روبرتس برفقة ابنته وبعض المشاركين في مؤتمر استكشاف الأسرار الخارقة الذي جعل من المصحة مقصدًا لعشاق الغرابة ومطاردة الظلال.
كل ركن من المبنى كان يحكي عن مئات المرضى ممن صرخت آلامهم عندما كانت المصحة تعج بالحياة ثم غادرها الزمن، لتتحول إلى مسرح للألغاز وأدوات الطب البائد وكراسي العزل.
التقى روبرتس وابنته بامرأتين تحملان أجهزة استشعار. تقدمت إحدى السيدتين وسألت: "من هنا؟ قل لنا اسمك..."، وفجأة: انطلق صوت غامض يهمس باسم "ستيف"!
تسمر الرجل مكانه، شعر ببرودة غريبة تسرح في أطرافه، والتفت إلى ابنته بعينين اتسعتا بدهشة وحذر.
هكذا تحولت مصحات أمريكا المهجورة إلى نقاط جذب سياحي لمن يلاحقون الإثارة، والباحثين عن تجارب تتجاوز حدود العقل، ومن بنسلفانيا إلى ولايات أخرى يتدفق السياح عبر الممرات المظلمة ويلتقطون الصور ويلقون الأسئلة في الفراغ، متشوقين لسماع رد "أشباح" ليس من جنس البشر.
لكن هذه التجارب لم تمر دون انتقادات، فكثير من العلماء والأطباء النفسيين حذروا من تحويل معاناة المرضى الحقيقيين في العقود الماضية إلى فلكلور شعبوي أو مصدر للترفيه المرعب.
يعود زوار المصحة مُحمَّلين بصور وتسجيلات وأحاديث غريبة، بعضهم يؤمن أنه التقط صدى أرواح لم تغادر، وإزاء ذلك يستمر الجدل: هل نحن أمام سياحة للتعلُّم من مآسي الزمن، أم أمام تجارة بالخوف؟
في كل الأحوال، تظل جدران المصحات شاهدة على تبدل الأزمنة، من أماكن علاج ومنفى قسري، إلى متاحف للرعب وقصص لا تنتهي، وكل من يعبُر أبوابها يخرج منها بذكرى لا تُمحى، ويغادر وهو لا يجزم: هل الأشباح حقيقية أم أن الرعب مُتأصِّل في نفوسنا منذ الأزل؟