جودة التعليم.. من المسؤول عن التوازن؟!

 

د. علي بن حمدان بن محمد البلوشي **

يُعد تقييم المستوى المعرفي والمهاراتي للطالب الجامعي إحدى الركائز الأساسية لضمان جودة التعليم وتحقيق مخرجات تعلم حقيقية تتوافق مع متطلبات سوق العمل وتطلعات المجتمع. فالتقييم ليس مجرد أداة لقياس التحصيل الدراسي؛ بل هو وسيلة لتقويم أداء المؤسسات التعليمية ومدى فاعلية البرامج الأكاديمية والمناهج وأساليب التدريس. ومن هنا تبرز أهمية بناء منظومة تقييم شاملة وعادلة تتيح الفرصة لجميع الطلبة لإبراز قدراتهم، وتحفّزهم على تنمية معارفهم ومهاراتهم بشكل متوازن ومستمر.

وتقوم عملية التقييم العادل على مجموعة من المعايير التي تضمن الشفافية والمصداقية في قياس كفاءة الطلبة بمختلف المستويات والتخصصات.

ويرى الباحثون أن معايير التقييم لطلبة البكالوريوس ينبغي فيها التركيز على مدى فهم الطالب للمفاهيم الأساسية، وقدرته على تطبيقها في مواقف عملية، إضافة إلى تقييم مهارات التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والاتصال الفعّال. كما يجب أن تتنوع أدوات التقييم بين الاختبارات التحريرية، والمشاريع، والعروض التقديمية، والتقارير البحثية. أما معايير التقييم لطلبة الماجستير فيُراعى في تقييمهم مدى عمق الفهم والتحليل، وقدرتهم على البحث العلمي المستقل، وإنتاج معرفة جديدة أو تطبيق مفاهيم متقدمة في تخصصاتهم. كما يجب أن تشمل عملية التقييم تقويم الرسائل العلمية، والمناقشات البحثية، ومهارات العرض الأكاديمي والنقد العلمي.

ويُعد منسقو البرامج ودوائر الجودة الأكاديمية، حجر الزاوية في متابعة تطبيق معايير التقييم وضمان اتساقها مع مخرجات التعلم المحددة؛ فهُم يتابعون تصميم أدوات التقييم، ويعملون على مراجعتها بشكل دوري لتتوافق مع أحدث الاتجاهات التعليمية. كما يحرصون على تدريب أعضاء هيئة التدريس على أساليب التقويم الفعالة، وضمان التوازن بين التقييم النظري والعملي. أما دوائر تطوير المناهج، فتسعى إلى تحديث المقررات الدراسية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل، وتربط بين المعارف الأكاديمية والمهارات التطبيقية.

ويقع على عاتق المحاضرين دور جوهري في خلق بيئة تعليمية محفزة تدفع الطلبة نحو الإبداع والاجتهاد. ويتوجب عليهم تنويع أساليب التدريس لتشمل التعلم القائم على المشروعات، والمناقشات التفاعلية، ودراسة الحالات الواقعية. كما يجب أن يشجعوا الطلبة على البحث المستقل، والمشاركة في الأنشطة العلمية، وتطبيق ما يتعلمونه في مواقف حياتية ومهنية. وإلى جانب ذلك، ينبغي للمحاضر أن يقدم تغذية راجعة بنّاءة تساعد الطالب على تطوير أدائه وتحديد نقاط قوته وضعفه.

وتتحمل إدارات الجامعات والكليات مسؤولية كبرى في تحقيق التوازن بين أهدافها الأكاديمية والاقتصادية. فبينما تسعى بعض المؤسسات إلى جذب أعداد أكبر من الطلبة من خلال تخفيض الرسوم الدراسية، إلّا أن هذا لا يجب أن يكون على حساب جودة التعليم أو التهاون في معايير التقييم. إن التهاون في التقييم يؤدي إلى تخريج طلبة يفتقرون للمهارات الأساسية المطلوبة في سوق العمل؛ مما ينعكس سلبًا على سمعة المؤسسة، ويؤدي إلى هدر الوقت والمال لكل من الطالب والمجتمع؛ بل ويُضعف ثقة أصحاب العمل بمخرجات التعليم العالي.

إنَّ ضمان عدالة وموضوعية تقييم الطلبة يمثل حجر الأساس في بناء منظومة تعليمية قوية تُسهم في إعداد خريجين مؤهلين وقادرين على المنافسة. ويتطلب ذلك التزاماً من جميع الأطراف- من المحاضرين ومنسقي البرامج إلى إدارات الجامعات والجهات الرقابية- بترسيخ ثقافة الجودة الأكاديمية. كما يقع على عاتق الوزارات والهيئات المشرفة على التعليم العالي واجب الرقابة الصارمة وعدم التهاون في تطبيق معايير التقييم، بما يضمن تحقيق المصلحة العامة، وحماية مستقبل التعليم ومخرجاته في خدمة التنمية الوطنية.

** مستشار أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة