رزقهم في خطر!

 

 

 

جابر حسين العُماني **

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

على جانب إحدى الطرقات يقف شاب عشريني، أمامه طاولة صغيرة، عليها دلة كبيرة تفوح منها رائحة شاي الكرك، ورغم ما يبدو عليه من التعب والإرهاق إلا أنه يبتسم لزبائنه بلا كلل أو ملل، ويمد يده المتعبة بأدب واحترام، ليقدم أكوابًا من الشاي الممزوج برائحة الهيل والزعفران لمرتاديه.

يبدأ عمله مع شروق الشمس، وينهيه عند الغروب، يقضي ساعات طويلة في تحضير شاي الكرك، وتنظيف موقع البيع، وترتيب الأكواب، يقدم الشاي في صمت عجيب يعكس التزامه وتفانيه في عمله، هدفه رضا الله تعالى، وتقديم أفضل الخدمات لزبائنه، يسعى لتوفير سبل العيش الكريم له ولعائلته، حتى يعيش في وطنه بكرامة وعزة، دون حاجة لأحد.

هو مشهد مألوف قد يشاهده الجميع، لشاب يقوم بإعداد شاي الكرك، ولكن هل سألنا أنفسنا ولو للحظة واحدة: من هو هذا الشاب المكافح؟ من أين جاء؟ كم ساعة يقف على قدميه في كل يوم؟ هل تأملنا ملامح وجهه الشاحبة؟ هل خطر على بالنا أن نسأله: كيف حالك اليوم؟ وما هي أخبار أسرتك؟

كثيرون هم من يمرون على ذلك الشاب، ولكن أغلبهم لا يرونه بتركيز عالٍ، فهم يضعون تركيزهم فقط على كوب شاي الكرك ورائحته الزكية التي تصرفهم عن قصته ومعاناته وجهوده وكفاحه من أجل أن يعيش بكرامة.

إنَّ من المؤسف جدا عندما نرى البعض يقيمون الناس بما يملكون من مال وجاه، لا بما يقدمون من خدمات لمجتمعاتهم، فتجد هناك من يتعاملون مع العامل المكافح وكأنه آلة وجدت لتنفذ الأوامر، وليس كإنسان يجب احترامه وتقديره وإجلاله، فترى البعض يطلبون شاي الكرك كما لو أنهم يصدرون أمرا لروبوت يأمرونه فيأتمر وينهونه فينتهي، متناسين أن من يخاطبونه ويتعاملون معه هو إنسان جد واجتهد وكافح ليجهز لنا ذلك الشاي المعطر بخلطاته الرائعة.

إن أغلب من يبيعون شاي الكرك أو الأكلات الشعبية على جوانب الطرقات، إما أن يكونوا مسرحين من أعمالهم أو لم يوفقوا في الحصول على وظيفة تليق بهم وبشأنهم، وهنا يأتي دور المجتمع ومؤسساته الحكومية والخاصة لدعمهم والوقوف إلى جانبهم، لذا علينا أن نسأل أنفسنا كيف نتعامل معهم؟ وكيف ندعمهم بما نستطيع خصوصا إذا كانوا من المسرحين من أعمالهم، والذين ألجأتهم الحياة إلى العمل لساعات طويلة تحت حرارة الشمس الملتهبة؟

إن الإجابة على هذا السؤال تضعنا أمام نقاط بالغة الأهمية، ينبغي الالتفات إليها جيدا، حتى يتمكن الجميع من تقديم أفضل الخدمات لهذه الفئة المحرومة في المجتمع لأنهم يستحقوا منا الوقوف معهم وهي كالآتي:

• أولا – الاحترام:

على الجميع احترامهم وتقديرهم وعدم النظر إليهم بدونية وازدراء، وأقل ما ينبغي فعله تجاههم هو أن نبتسم لهم ونشكركم على ما يقدمونه من عمل جبار يسعون من خلاله لحفظ كرامتهم.

• ثانيا – ادفع لهم بسخاء:

لا تكن بخيلا معهم، فهم بحاجة ماسة لوقفتك ومساهمتك ولو بالقليل، أكرمهم بما تستطيع فلن ينسوا منك ذلك الجميل، فإن لم تستطع على ذلك فاشكرهم لترفع من معنوياتهم وهو أضعف الإيمان، قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب: (اَلْكَرِيمُ عِنْدَ اَللَّهِ مَحْبُورٌ مُثَابٌ وَعِنْدَ اَلنَّاسِ مَحْبُوبٌ مُهَابٌ).

• ثالثًا – اشتري منهم:

إذا أعجبتك منتجاتهم، اشتري منهم بشكل دائم، واجعل منتجهم خيارك الأول بدلا من الشراء من المحلات الكبيرة، واعلم أنَّ فعلك هذا هو في حد ذاته دعم لأبناء وطنك، وأن ما تقوم به تجاههم يجعلك مقبولا عند الله تعالى، ومن يقبله الله تعالى لن يجد من دنياه إلا السعادة والسرور.

• رابعًا – أوصي بهم خيرا:

حاول أن تستغل مواقع التواصل الاجتماعي لديك لتطلب من الناس الشراء منهم، فتلك خدمة عظيمة تقدمها لهم، قد لا يفعلها إلا من رحم ربي، وهي خدمة مباركة فيها رضا لله تعالى.

• خامسًا – ساعدهم:

ساعدهم في انشاء حسابات خاصة بهم على برامج التواصل الاجتماعي، واطلب منهم عرض منتجاتهم من خلال حساباتهم، وذلك لتعريف الناس بما يقدمونه من وجبات شعبية يسعون من خلالها للحصول على لقمة العيش الكريم.

• سادسًا – انصحهم:

انصحهم باختيار المواقع المميزة المسموح للبيع فيها مثل أن يكون الموقع بالقرب من المحلات التجارية أو الأسواق التي يتردد عليها الناس فهي مواقع تزيد من دخلهم وتعزز عملهم.

وأخيرًا.. إن العدالة الاجتماعية واجب وطني يقتضي احترامه وتطبيقه في واقع الحياة الاجتماعية، وهي مسؤولية عظيمة تقع على عاتق المسؤولين في الدولة، لضمان حياة كريمة للمواطنين الكرام، فهم الثروة الحقيقية لتعزيز مكانة الوطن، وهم يستحقوا فرص عمل تضمن لهم استقرار حياتهم الأسرية، ومن المؤسف جدا أن نرى في كل يوم مواطنين يعانون تحت حرارة الشمس للحصول على قوت يومهم، بينما يعيش بعض المسؤولين في أبراج عاجية عالية، لا يشغلهم سوى الحفاظ على كراسيهم ومناصبهم متناسين واجبهم تجاه هموم الناس.

اِرْحَمُوا مَنْ فِي اَلْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي اَلسَّمَاءِ.

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة