آن الأوان لرفع الستار

 

 

هلال بن سعيد بن حمد اليحيائي **

في زيارتي الأخيرة إلى إحدى الدول الآسيوية، وعلى متن الطيران العُماني الذي يُعَدُّ بلا شك فخر السلطنة في الأجواء المفتوحة وسفيرها إلى الخارج، استوقفني عنوان على شاشة العرض داخل الطائرة باللغة الإنجليزية يمكن ترجمته بـ"عُمان العظيمة" وفي حقيقة الأمر، هي كذلك؛ عُمان عظيمة بتاريخها المجيد، وبأهلها الكرام، وبأدوارها التليدة في العالم، والممتدة حتى وقتنا الحاضر، كدولة لها وزنها واحترامها بين دول العالم.

ما أودّ الحديث عنه في هذا المقال، وهي محاولة أولى في الكتابة ستتبعها مقالات أخرى إن شاء الله تعالى، هو موجَّه إلى الشباب العُماني الذين يشكّلون السواد الأعظم من أبناء السلطنة، فعُمان دولة فتية تتمتع بنسبة عالية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عامًا، وهم بلا شك الثروة التي لا تنضب، وهم حاضرنا ومستقبلنا. هؤلاء ينتمون إلى أجيال الألفية وما بعدها من جيل "زد"، الذين أصبحوا عالميًا يشكّلون الكتلة الأكبر في سوق العمل، فضلًا عن كونهم المستهلك الأكبر للمنتجات والخدمات.

ومن الطبيعي أن يكون التوجّه إليهم من قِبَل الحكومات والشركات والمنظمات، كونهم سيكونون البديل في مواقع العمل؛ فالأجيال التي وُلدت قبل عام 1980، والتي تتبوأ اليوم مراكز اتخاذ القرار، باتت قريبة من سنّ التقاعد، وسيكون أبناء الألفية بحقّ خير خلف لخير سلف، إن شاء الله تعالى لذلك، ليس من المستغرَب أن يكون أغلب الاستهداف اليوم من قِبَل المنظمات والشركات ذات التأثير الاجتماعي موجَّهًا إلى هؤلاء الشباب، تحقيقًا لأهداف متعددة ورؤى بعيدة المدى.

إنَّ عُمان، وهي بلد الفرص بما حباها الله من موارد وإمكانات وقدرات وتسهيلات، قادرة على أن تؤدّي دورها الرائد في صناعة التاريخ كما عُرفت عبر العصور، وليستمر هذا العطاء والتفوّق في عهدنا الحاضر بفضل الرؤية الحكيمة والإرادة الصادقة من راعي الشباب الأول وموجّه طاقاته، مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عُمان، أعزّه الله وأبقاه ومن خلال الخطاب الأول الذي تفضّل به جلالته بعد توليه مقاليد الحكم، وما تلاه من كلمات سامية ومكرمات متتالية للشباب ولروّاد الأعمال على وجه الخصوص، كان وما زال الهدف منها هو الوقوف إلى جانب الشباب، وتمكينهم، وخلق جيل من روّاد الأعمال يسهمون في بناء الوطن وتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040".

"لنرفع الستار عاليًا أمام أعيننا كشباب"؛ هذه الجملة اقتبستها من كتاب «أسطورة ريادة الأعمال» للكاتب مايكل جريبر، وهو من الكتب الجميلة والعملية والهادفة التي تشجع الشباب على ريادة الأعمال فالكاتب، صاحب خبرة واسعة في مجال ريادة الأعمال، وهو مؤسس للعديد من المشاريع الناجحة ويعمل في مجال الاستشارات الاقتصادية. يؤكد مايكل جريبر أن نجاح واستمرارية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يتحقق فقط من خلال وضع الرؤية والاستراتيجية والأهداف، بل من خلال نظام عمل يجعل المؤسسة تعمل بشكل مستقل عن المؤسس، دون الحاجة إلى التدخل اليومي أو الأسبوعي أو الشهري. فالإجراءات واضحة ومكتوبة، وتمكّن المؤسسة من التوسع وفتح فروع أخرى تعمل بنفس الكفاءة، ما يضمن لها الاستمرارية والنجاح المستدام.

إن ما توفره الحكومة في السلطنة من بيئة محفِّزة للأعمال، وتسهيلات جاذبة للاستثمار، لا يترك لأي شخص عذرًا للتقاعس أو انتظار الوظيفة الحكومية. فحتى مع الجهود التي تبذلها الحكومة لخلق فرص عمل في القطاع العام، فإنها ستظل محدودة ومع دخول التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، ستختفي كثير من الوظائف، وإن لم تختفِ جميعها، دعونا نركز على القطاع الحكومي؛ فهو ليس القطاع القادر على استيعاب جميع المخرجات من التعليم العالي، حيث لا يتجاوز استيعابه للقوى العاملة أكثر من 30% كأقصى حد عالميًا.

إنَّ ريادة الأعمال مجال لا شكّ أنه ليس سهلًا، ولا طريقه مفروش بالورود، إلا أنه يظل المجال الذي يمكن للإنسان من خلاله أن يبدع ويبتكر ويفكر ويؤسس ويطور منتجات مبتكرة، تحقق له العائد المالي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفرد والدولة بشكل عام وعلى الرغم من النيات الحسنة، والتوجهات الإيجابية، ورغبة الشباب العُماني في العمل في هذا القطاع، كما تؤكد الدراسات العلمية للمركز العالمي لريادة الأعمال، إلا أن المؤشرات على أرض الواقع ما زالت دون الطموح. وبقاء شبابنا بعيدين عن العمل في القطاع الخاص، سواء من خلال العمل فيه أو تأسيس أعمال خاصة، يعد أمرًا مقلقًا.

ولذلك، يجب على كل ولي أمر ومخلص ومحب لوطنه أن يدعو أبناءنا وبناتنا إلى رفع ستار الخوف، والابتعاد عن منطقة السكون التي قد يشعر فيها الشخص بالأمان، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، بل تزيد من الهموم والتوترات، وتعيق قدرته على الإبداع والمبادرة لذا، أقول من خلال هذه السطور، ومن خلال هذا المنبر، للشباب: ارفعوا الهمم، وأيقظوا شرارة العمل، وابدأوا في الخروج إلى سوق العمل، ومزاحمة الآخرين فيه، والإصرار على أن يكون لنا السبق والريادة والحضور في تأسيس أعمال حرة تخلق لنا دخلًا مرتفعًا، وتوفر فرص العمل للآخرين فالقطاع الاقتصادي هو أساس ومحرك بقية المجالات والقطاعات الأخرى. ونحن، كشباب ومجتمع، إذا بقينا في زاوية المشاهدة والانتظار، فإن العالم أصبح كما يُقال "قرية واحدة"، والحدود مفتوحة، والناس تبحث عن مصادر رزق في بلدان تنعم بالسلام والخير والعطاء والاستقرار وعليه، فعلينا استغلال الفرص، وتحقيق المكاسب المالية والنمو، فالبقاء للأقوى كما يُقال.

ختامًا.. إنها دعوة صادقة أقدمها لكل الشباب العُماني الباحث عن العمل: علينا الخروج من المنطقة الآمنة، التي قد تبدو آمنة لكنها في الحقيقة ليست كذلك، والإسراع في الانخراط في سوق العمل، لمزاحمة الآخرين محليًا ودوليًا من خلال الإبداع والابتكار والعمل الجاد، لكي تبقى عُمان بشبابها المخلصين حاضرة عالميًا، ويكون لنا أيضًا حضور وأثر في صناعة الحاضر والمستقبل وديننا الإسلامي هو دين العالمية، ودين ينهى عن الجمود والتخلف والتراجع، ومن خلال العمل ستنتشر قيمنا الإسلامية وتظهر صورة الإسلام السمحة، التي أصبح العالم بحاجة إليها، وهي قيم تحقق العدالة والمساواة والاستدامة.

.. لنعمل جميعًا على تحقيق رؤية عُمان 2040، التي ساهم فيها الشباب العُماني بأفكارهم، وحظيت بالموافقة الكريمة من قائد البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه. ولن تتحقق هذه الرؤية إلا بالعمل الجاد، من خلال تفاعل وتفاني كل شرائح المجتمع العُماني. ولنعمل سويًا على الحفاظ على ما تحقق من منجزات، وتحقيق المزيد منها، مع وجوب أن يقدم الجميع، أفرادًا ومؤسسات، النصح والإرشاد والدعم والتسهيل لشباب عُمان، وتمكينهم من العمل في القطاع الخاص وتأسيس أعمالهم الخاصة.

** رائد أعمال ورئيس مركز بهلا الثقافي للعلوم والابتكار

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة