تشو شيوان **
تحتفل الصين بالذكرى الـ76 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وهي مناسبة لاستعراض رحلة طويلة حافلة بالتحولات والإنجازات التي جعلت من الصين قوة اقتصادية وسياسية وثقافية عالمية. على مدى أكثر من 7 عقود، اجتازت الصين العديد من الاختبارات والتحديات، من الصعاب الاقتصادية إلى العواصف السياسية، لكنها واصلت السير بخطى ثابتة نحو تحقيق الرفاه الوطني وتعزيز مكانتها في العالم، وتحقيق حياة أفضل للشعب الصيني على جميع الأصعدة، صحيًا ومهنيًا وأيضًا اجتماعيًا.
منذ تأسيسها، سجل الشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني ملحمة عظيمة في الوقوف على قدميه، ثم تحقيق البناء والتنمية وصولًا إلى تعزيز قوته الشاملة، ومع اختتام الخطة الخمسية الـ14، يمكنني القول إن الصين أظهرت التزامها بالتنمية عالية الجودة والانفتاح الرفيع على الخارج، مُحققة انتصارات ملموسة في مكافحة الفقر ورفع مستويات الرفاه للشعب وهذه نقطة مهمة جدًا إذ وضعت الصين مصلحة الشعب الصيني على قائمة الأولويات، واقتصاديًا قد حققت الصين إنجازات عظيمة حيث بلغ حجم الاقتصاد الوطني نحو 35 تريليون يوان، بمعدل نمو متوسط يبلغ 5.5%، وهو معدل يضع الصين في مراتب متقدمة بين الاقتصادات الكبرى عالميًا، ومساهمتها في النمو العالمي وصلت إلى حوالي 30% مما يؤكد أن انعكاس التنمية الداخلية كان عالميًا، والكثير من دول العالم تشاركت مع الصين هذه التنمية والقفزات الكبرى.
إن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تمثل السر الجوهري في قدرة النظام الصيني على الحفاظ على استقراره وتحقيق إنجازاته، فالحزب يواصل تطوير نفسه محافظًا على ديناميكيته وحيويته، ويضع الابتكار العلمي والتكنولوجي في قلب أولوياته الوطنية، ومنذ العصر الجديد قاد الرئيس شي جين بينغ الصين نحو تعزيز وحدة القيادة، وضمان مشاركة الشعب في الحكم وفق القانون، ووضع استراتيجية شاملة للنهوض بالقرى، وتعزيز البيئة، وتحسين مستوى حوكمة الدولة، وأجد أن هذه الرؤية الشاملة توضح أن الصين لا تسعى فقط إلى التنمية الاقتصادية، بل إلى بناء نظام حضاري مستدام يعطي خيارات جديدة للبشرية في مسارات التحديث الاجتماعي والتنمية عالية المستوى، وهذا ما جعل الصين تحقق إنجازات عظيمة في وقت كانت العواصف الدولية كبيرة وخطيرة.
وعلى الصعيد الدولي، لعبت الصين دورًا مهمًا في الحفاظ على السلام والاستقرار العالمي، ففي الذكرى الثمانين لانتصارها في الحرب ضد العدوان الياباني والفاشية، أكدت الصين التزامها بصيانة إنجازات الحرب العالمية الثانية والنظام الدولي المرتبط بها، كما طرحت الصين مبادرة الحوكمة العالمية خلال اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون بلس الذي استضافته الصين في بداية سبتمبر الماضي، مقدمّة نهجًا صينيًا يرتكز على الحكمة الشرقية لإصلاح النظام الدولي وتحسينه، وهو نموذج يعكس مساهمة الصين في تعزيز العدالة والتنمية المستدامة عالميًا، بعد مبادراتها السابقة في مجالات التنمية والأمن والحضارة.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية، يمكن ملاحظة التطور الكبير في العلاقات الصينية مع الإمارات، والتي تتسم بالاستقرار والتعاون الاستراتيجي مع العديد من دول العالم بما فيها الدول العربية، وقد شملت الشراكات مجالات متقدمة مثل الطاقة الجديدة والمركبات ذاتية القيادة، بالإضافة إلى التعاون الثقافي والتعليم، بما في ذلك إنشاء مئات المدارس لتعليم اللغة الصينية في مختلف الدول في العالم، وفتح مسارات جوية جديدة بين عواصم ومدن العلم وربطها بالمدن الصينية، وهذه الإنجازات تعكس مدى قوة الروابط الاستراتيجية بين الصين ودول العالم، وتوضح قدرة الصين على توسيع حضورها الاقتصادي والثقافي بطريقة تعود بالنفع المتبادل محققة معادلة صعبة "رابح رابح".
اليوم، بعد 76 عامًا من الصعود التدريجي والتحولات الكبرى، يبدو واضحًا أن الصين مستمرة في حصد الإنجازات، وتطوير نموذجها الخاص في التحديث والتنمية، مع التطلع إلى عالم أكثر تطورًا يشترك معها في النمو والازدهار، فالصين ليست فقط قوة تنموية بل شريك عالمي يسعى إلى تعزيز العدالة والسلام والتنمية المستدامة في مختلف القارات، ويمثل نموذجًا يُحتذى به للدول التي تتطلع إلى تحقيق التقدم دون التخلي عن قيمها واستراتيجياتها الوطنية، والصين استطاعت أن تفتح للعالم نموذجًا جديدًا للتنمية بعيدًا عن الحروب والنزاعات وملتزمًا بالقوانين والمواثيق الدولية ومحترمًا لحسن الجوار والتعاون الدولي، بالإضافة لتقديمها نموذجًا سياسيًا فريدًا قائم على المنفعة والمصلحة المشتركة وداعية للسلام العالمي من خلال التشاركية، وفي مثل هذه المناسبة الهامة بالنسبة لكل صيني أجد أنها فرصة لأهنئ شعبنا الصيني على الإنجازات الكبرى التي تحققت، وأيضًا أقدم الشكر للأصدقاء العرب الذين شاطرونا هذه الفرحة وكانوا جزئًا من امتداد طويل للعلاقات الصينية العربية التي اتسمت بالحب والمودة والتعاون والتي أجد بأنها مستمرة لأن مصالحنا مشتركة ونظرتنا للعالم أيضًا مشتركة هدفنا السلام والتنمية وصناعة مستقبل أفضل للشعوب.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية