عُمال المنازل.. علاقة متوازنة لاستقرار المجتمع

 

 

 

حمد الصبحي

يشكل تنظيم أوضاع عمال المنازل ومن في حكمهم في سلطنة عُمان جزءًا من مسار أوسع يعكس التقاء البعد القانوني بالبعد الإنساني. فهذه الفئة، رغم عملها بعيدًا عن الضوء، تحتل موقعًا جوهريًا في دورة الحياة اليومية، وتؤدي دورًا بالغ الأهمية في استقرار الأسر والمجتمعات. ومن هنا جاء الاهتمام بتعزيز حقوقها وضمان ظروف عمل عادلة تحفظ الكرامة الإنسانية وتواكب المعايير الدولية.

والرؤية العُمانية في هذا السياق لا تتعامل مع عمال المنازل كقضية معزولة، بل كحلقة في منظومة سوق العمل، تسعى إلى إرساء علاقة متوازنة بين طرفين: العامل من جهة، وصاحب العمل من جهة أخرى، بحيث لا تكون العلاقة قائمة على التبعية المطلقة، بل على التعاقد الواضح الذي يحدد الحقوق والواجبات.

ومن أهم ركائز هذه الرؤية ضمان دفع الأجور في مواعيدها المحددة وإدماج هذه الفئة تدريجيًا في أنظمة الدفع الرقمي، الأمر الذي يحقق مستوى أعلى من الشفافية والموثوقية ويقلل من النزاعات. كما أن توفير السكن اللائق، والرعاية الصحية، والمأكل المناسب، يشكل قاعدة إنسانية لا غنى عنها، إلى جانب الحظر الصريح للممارسات السلبية كاحتجاز الوثائق أو تقييد حرية التنقل، وهي ممارسات طالما أضعفت صورة العمالة المنزلية في كثير من دول العالم.

من الناحية الاجتماعية، فإن تحسين ظروف هذه الفئة يعود بالنفع المباشر على استقرار الأسر؛ فالعاملة أو العامل المنزلي الذي يحظى بحقوق أساسية وظروف عمل لائقة يصبح أكثر قدرة على أداء مهامه بكفاءة واستقرار نفسي، مما ينعكس على الأسرة العُمانية التي تمثل محور المجتمع. وهكذا تتحول العدالة في العلاقة التعاقدية إلى استثمار اجتماعي يساهم في تقوية النسيج الوطني.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن عمال المنازل يمثلون شريحة لها تأثيرها في الدورة الاقتصادية؛ فهم جزء من الطلب على الخدمات الاستهلاكية، كما أن تنظيم أوضاعهم يسهم في ضبط سوق الاستقدام وتقليل المنازعات القانونية والإدارية التي قد تترتب على غياب الأطر المنظمة. ومع إدماجهم في الأنظمة الإلكترونية لحماية الأجور، يتحقق عنصر إضافي من الثقة في السوق العُماني كوجهة عمل عادلة، وهو ما يعزز تنافسية السلطنة في استقطاب العمالة الماهرة ويدعم سمعتها الدولية.

وفي البُعد الدولي، فإن تحديث التشريعات المتعلقة بعمال المنازل، يضع سلطنة عُمان في موقع متقدم على صعيد الامتثال لمعايير منظمة العمل الدولية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة. هذا الامتثال لا يقتصر على تحسين صورة السلطنة في المحافل الدولية، بل يفتح الباب أمام تعزيز علاقاتها الثنائية مع الدول المصدّرة للعمالة، عبر ضمان حقوق مواطنيها العاملين في عُمان، بما يسهم في تقوية التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي.

ومع ذلك، فإن التحديات لا تزال قائمة، وعلى رأسها الحاجة إلى آليات رقابية تضمن التطبيق الفعلي للنصوص، ومراقبة مكاتب الاستقدام للحد من تحميل العمالة أعباء مالية قبل وصولهم إلى سلطنة عمان، إلى جانب أهمية برامج التوعية التي تستهدف الأسر وأصحاب العمل لإرساء ثقافة الحقوق والواجبات المتبادلة. كما أن إدماج هذه الفئة بشكل كامل في الأنظمة الرقمية الحديثة يظل حجر الزاوية لضمان الحقوق المالية وتوثيقها.

إنَّ التجربة العُمانية، وهي تتطور في هذا الاتجاه، تتميز بخصوصية قائمة على التدرج والواقعية؛ فهي تراكم تجربة مبكرة وتبني عليها، وتضع نصب عينها أن العدالة الاجتماعية ليست شعارًا بقدر ما هي مشروع وطني لبناء المستقبل. وهنا يتضح أن الاهتمام بعمال المنازل ليس مجرد تنظيم لعلاقة عمل محدودة، بل هو انعكاس لرؤية حضارية تؤكد أن التنمية الحقيقية لا تتحقق إلا عندما تمتد العدالة لتشمل كل الفئات، وأن صون الكرامة الإنسانية هو الأساس الذي يقوم عليه استقرار المجتمع وسمعة الدولة في الداخل والخارج.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة