هل هذا جمال؟

 

 

 

جابر حسين العُماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

 

طرحت سؤالًا في محاضرة سابقة في إحدى الولايات العُمانية، وهو: كيف ينبغي أن يكون مظهر الانسان في اسرته ومجتمعه ووطنه، بما ينسجم مع قيمنا وعاداتنا الدينية والاجتماعية الراسخة؟ وفي الأثناء، دخل شاب إلى قاعة المحاضرات، بقصة شعر ملفتة مستوحاة من الثقافة الأجنبية المستوردة، ولم تكن تليق بثقافتنا وقيمنا الدينية والاجتماعية التي تربينا عليها.

إن ظاهرة قصات الشعر باتت تتسلل إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتعاني منها الكثير من الأُسر والمدارس والجامعات، وهي تسعى عن قصد أو بدون قصد إلى تجهيل شبابنا وابعادهم عن القيم والمبادئ الأخلاقية، وتحويلهم من طاقات فاعلة في المجتمع إلى أفراد ليس لهم تأثير حقيقي في بناء وازدهار مجتمعاتهم وأوطانهم.

إن الكثير من تلك التسريحات والقصات التي غزت مجتمعاتنا أصبحت اليوم غير مقبولة في المجتمع العربي والإسلامي، فهي إما أن تكون تشبها بالجنس الآخر، أو بالعادات الغربية، وكلاهما لا يتماشى مع الذوق العام المحافظ لبلادنا العربية والإسلامية، في الوقت الذي ينبغي أن يحرص شبابنا على اختيار المظهر اللائق الذي يعبر عن هويتهم ووقارهم، وثقافتهم الإسلامية العريقة، ويحترم انتماءهم وولاءهم لدينهم ووطنهم ومجتمعاتهم.

إن بعض قصات الشعر المنتشرة اليوم في مجتمعنا العربي تثير الكثير من الجدل في الأوساط الاجتماعية، فهي لا تنسجم اطلاقا مع قيمنا الدينية والثقافية، ولهذا السبب، تمنع كثير من المدارس والجامعات المظاهر المخلة للآداب في أروقتها حفاظا على القيم الدينية والاجتماعية، حتى تستطيع صون الانتماء إلى الهوية العربية والإسلامية.

إن المتأمل في تاريخنا العربي والإسلامي، يرى بوضوح تام كيف كان الاسلام ولا زال يدعو بقوة إلى ظهور الانسان في اسرته ومجتمعه بالمظهر اللائق، الذي يليق بكرامته وانسانيته، وهذا ما نراه متجسدا في حياة نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان ينهى عن (القزع)، ومعناه: حلق بعض الرأس دون بعض، فقد روي انه جيئ إليه صلى الله عليه وآله وسلم بصبي يدعو له وله قنازع فأبى أن يدعو له وأمر أن يحلق رأسه.

إن الإسلام العظيم يدعو الجميع إلى الاعتدال في المظهر، لذا يحث على النظافة الدائمة وحسن المظهر الخارجي، واجتناب التشبه بالعادات الغربية التي لا تليق بنا وبعروبتنا الأصيلة.

إن من المؤسف جدا في السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة تقليد قصات شعر مشاهير لاعبي كرة القدم، والممثلين والمغنين الأجانب بين الشباب والمراهقين، مما يجعلنا أمام ظاهرة اجتماعية لها الكثير من السلبيات والأضرار النفسية والاجتماعية على الفرد في المجتمع والتي يجب التصدي لها، لما لها من آثار سلبية من بينها:

• أولًا - ضياع الهوية الشخصية:

إن تقليد اللاعبين والممثلين والمغنين من المشاهير دون أي وعي وادراك يجعل من الشباب نسخة مكررة لا تحمل روح التميز والابداع، ويؤدي ذلك إلى ضعف ثقتهم بأنفسهم وافتقادهم لهويتهم الفردية.

• ثانياً - التشجيع على السطحية والانحدار الأخلاقي:

وذلك من خلال الاهتمام المبالغ بقصات الشعر وموضاتها المختلفة، مما يجعل من بعض الشباب يبتعدون عن النجاح والطموح، وبدلا من السعي للتفوق الدراسي وتحقيق الأهداف المنشودة، ينشغل البعض بالسطحية وتقليدها والذوبان فيها.

• ثالثاً - التأثيرات السلبية على الآخرين:

وذلك عند انتشار ظاهرة موضة قصات الشعر السلبية في المجتمع، والتي يمكن أن يتعرض أصحابها للتنمر والانتقادات اللاذعة.

إن مجتمعاتنا العربية والإسلامية بحاجة ماسة إلى توعية شبابها وتحصينهم فكريا وأخلاقيا، من خلال الأسرة والمدرسة والجامعة ودور العبادة، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتوجيههم إلى القنوات الهادفة التي تعلي من قيمة الأخلاق والمعرفة والتميز والطموح في نفوسهم، بدلا من التعلق بالمظاهر السطحية الزائفة، والمستمدة من عادات دخيلة على المجتمع. قال تعالى في كتابه العزيز: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31].

أخيرًا.. من المطلوب على الإنسان في حياته الأسرية والاجتماعية أن يكون أنيقا في مظهره، متجملا بالاعتدال، بما يعكس عن وعيه ومسؤوليته الأخلاقية تجاه نفسه وغيره، وعليه أن يتأمل دائما في المظاهر السطحية المنتشرة من حوله، ويتساءل مع نفسه: هل هذا جمال؟ أم سخافة يراد منها ضياع المجتمع وأفراده؟

** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

الأكثر قراءة